تحليلات سياسيةسلايد

بلينكن يُقدّم الأدلّة الدّامغة على وقوف إسرائيل خلف صاروخ مجدل شمس ومجزرته

عبد الباري عطوان

التبنّي الفوريّ من قِبَل أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي للرواية الإسرائيليّة التي تتّهم “حزب الله” بالمسؤوليّة عن إطلاق الصّاروخ الذي أدّى إلى مقتل 12 صبيًّا في ملعب ببلدة مجدل شمس العربيّة السوريّة في هضبة الجولان المحتلّة، يُؤكّد أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي هي التي تقف خلف هذه المجزرة، مثلما تقف خلف كُل المجازر الأُخرى التي ترتكبها قوّاتها وطائراتها في قطاع غزة وجنوب لبنان وميناء الحديدة في اليمن، والأمر لا يحتاج إلى تحقيقٍ دوليّ أو محليّ لإثبات هذه الحقيقة، والجدل حول هذه المسألة مضيعةُ وقت.

بلينكن يوجّه الاتّهام لحزب الله قبل إجراء أيّ تحقيقاتٍ ميدانيّة

بلينكن وجّه هذا الاتّهام لحزب الله من طوكيو بعد ساعاتٍ من سقوط الصاروخ. كما وقبل إجراء أيّ تحقيقاتٍ ميدانيّة حتّى من قبل الجيش الإسرائيلي نفسه. وأفتى. بأنّ “كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ حزب الله اللبناني هو الذي أطلق الصّاروخ على مجدل شمس”. وقال وهنا مربط الفرس، إنّ بلاده “تؤيّد حقّ إسرائيل في الدّفاع عن مواطنيها من الهجماتِ الإرهابيّة”.

هذا التّصريح لبلينكن الذي يتباهى بصهيونيّته، يؤكّد أن هذه المجزرة الإسرائيلية جرى الاتّفاق عليها والإعداد لها بالتّنسيق مع الولايات المتحدة. ومن غير المستبعد أن يكون نتنياهو حمل تفاصيلها إلى واشنطن أثناء زيارته الأخيرة، وحصل على ضوءٍ أخضر أمريكي من ساكِنِ البيت الأبيض.

بلينكن يكذب لتبرير أيّ عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان.

فالفتيان الشّهداء الذين كانوا ضحايا مجزرة الصّاروخ الإسرائيلي هذه، سواءً أطلق من القبّة الحديديّة، أو من القاعدة الإسرائيليّة القريبة ليسوا مواطنين إسرائيليين بل ينتمون إلى أسرٍ عربية سورية رفضت كل الضغوط الإسرائيليّة للتنازل عن جنسيّتهم. وحمل الجنسية الإسرائيلية، وقول بلينكن إنهم مواطنون إسرائيليّون من حقّ إسرائيل الدّفاع عنهم أكذوبة لتبرير أيّ عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان.

ارتكاب إسرائيل المجازر لا يحتاج إلى إثباتٍ أو لجان تحقيق

ارتكاب إسرائيل المجازر في حقّ العرب، والأطفال منهم على وجهِ الخصوص، لا يحتاج إلى إثباتٍ أو لجان تحقيق، ففي نفس اليوم الذي ارتَكبَت فيه إسرائيل مجزرة مجدل شمس في الجولان المحتل، قصفت قوّاتها مدرسة خديجة في مدينة دير البلح (مسقط رأسي) في قطاع غزة بخمسة صواريخ، ومزّقت جثامين 30 مدنيًّا معظمهم من الأطفال، وأصابت 100 آخِرين معظمهم جروحهم خطيرة، مدّعية أن المدرسة كانت مركز قيادة لحركة “حماس”، تمامًا مثلما قالت إنّ غرفة عمليّات كتائب القسّام توجد في نفقٍ تحت مستشفى الشّفاء في غزة.

القوّات الإسرائيليّة تقتل العرب وتمارس أبشع أنواع العنصريّة والاضّطهاد بحقّهم، سواءً كانوا من “مواطنيها” من الدّرجة العاشرة، أو يعيشون تحت احتِلالها، وما يجري في المناطق المحتلّة عام 1948، والضفة الغربية والقطاع بعض الأمثلة التي تؤكّد ذلك.

دولة الاحتلال لا تعترف إلّا بمستوطنيها اليهود فقط، ولا تخوض الحروب إلّا لحِمايتهم، وغير مستعدّة للتّضحية بنقطةِ دمٍ واحدة دفاعًا عن “الأغراب” من غيرهم، تطبيقًا لفتاوى حاخاماتهم ونصوص توراتهم.

بنيامين نتنياهوم لم يعد قادرًا على تحمّل حرب الاستنزاف التي يخوضها “حزب الله”

بنيامين نتنياهو الذي تحاصره الهزائم على كلّ الجبهات الداخليّة والخارجيّة، وخاصَّةً في جنوب لبنان، لم يعد قادرًا على تحمّل حرب الاستنزاف التي يخوضها “حزب الله” ورجال مقاومته في الجليل المحتل بشقّيه الأعلى والأدنى، وهي الحرب التي أدّت حتّى الآن إلى نزوحِ أكثر من 200 ألف مستوطن هربًا من الصّواريخ والمسيّرات الانغماسيّة، وحرق حواليّ مِئة ألف دونم من المناطق الزراعيّة بصواريخ المقاومة، بالإضافة إلى اختِراق “الهداهد” الثّلاثة لكل الرّادارات وأجهزة الرصد الإسرائيليّة المتطوّرة، والوصول إلى أهدافها، وتصوير معظم البنى التحتيّة المدنيّة والعسكريّة في حيفا وتل الربيع، مثل المرافئ، ومنصّات الغاز، ومحطّات التّحلية، والماء والكهرباء، ومطار اللّد (بن غوريون) ممّا جعل بنك الأهداف لدى الحزب طافحًا بكلّ “ما لذّ وطاب” من الأهداف الحسّاسة لإشباعِ شهيّة الصّواريخ الباليستيّة، والمسيّرات “الانغماسيّة” في أيّ حربٍ محتملةٍ وقادمة.

نتنياهو المهزوم والمدمّر نفسيًّا ومعنويًّا كرّر اليوم، وبعد عودته مطاطئ الرّأس من واشنطن، العديد من التّهديدات التي سمعناها منه على مدى العشرين عامًا الماضية. وأبرزها أنّ حزب الله سيدفع ثمنًا باهظًا. وأنّ هجومه على مجدل شمس لن يمر دونَ ردّ. وتوعّد بأنّ بيروت ستتحوّل إلى غزة أخرى.

منذ حرب “طُوفان الأقصى” استخدم حزب الله صواريخ الكاتيوشا فقط.،

“حزب الله” لا يقصف أو يقتل المدنيين، لأنّه يتحلّى بقيمٍ أخلاقيّةٍ عالية. كما ويحترم قواعد الاشتِباك، وقوانين الحرب. ولم يقدم مطلقًا على إطلاق صواريخ بهدف قتل المستوطنين الإسرائيليين المدنيين، رغم أنّ معظمهم ليسوا كذلك. وهم جنود احتياط خدموا في الجيش الإسرائيلي. ولو أراد ذلك، وهبط إلى مستوى الانحطاط الأخلاقي الإسرائيلي، لقتل عشرات، وربّما مِئات الآلاف منهم بسهولة. ودليلنا أنّه حتّى الآن. ومنذ حرب “طُوفان الأقصى” في السّابع من تشرين أوّل الماضي استخدم صواريخ الكاتيوشا فقط. وليس الثقيلة الدّقيقة، التي يملك أكثر من 150 ألفًا منها في مخازنه.

أي هجوم إسرائيلي على لبنان سيكون الرّد عليه في العمق الإسرائيلي،

أي هجوم إسرائيلي على لبنان، مثلما يهدّد ويتوعّد يوآف غالانت وزير الحرب، سواءً كانَ موسّعًا أو محدودًا، سيفتح أبواب جهنّم على دولة الاحتلال. كما وسيكون الرّد عليه فوريًّا، وموجعًا، وفي العمق الإسرائيلي. فالمطار بالمطار، والميناء بالميناء، والدّمار بالدّمار. مثلما قال السيّد عبد الملك الحوثي القائد الرّوحي لحركة “أنصار الله” اليمنيّة، إنْ لم يكن أضخم.

الرّد قد لا يكون مقتَصِرًا على حزب الله، وإنّما قد يكون موسّعًا ويضم معظم، أو جميع، أذرع محور المقاومة، في اليمن والعِراق ولبنان وسورية، علاوةً على قطاع غزة والضفّة الغربيّة، ولا نعتقد أنّ إيران زعيمة هذا المحور ومهندسته، ستقف مكتوفة الأيدي.

ختامًا نقول إنّ بيروت لن تتحوّل إلى غزة أخرى، وإنْ تحوّلت فلن تكون الوحيدة. فسماحة السيّد حسن نصر الله قال في خِطاباته الأخيرة إنّ أيّ عدوانٍ على لبنان سيتمّ التصدّي له بقوّة. ولن يتم التقيّد بأيّ قواعد للاشتِباك، وأي سقف أو قيود. وحذّر من أنّ حزب الله لم يستخدم إلّا جزءًا صغيرًا من قدراته العسكريّة.

بيروت تدمّرت جزئيًّا أو كلِّيًّا في عدوان تمّوز 2006، وكذلك مطارها. ولكن أعيد بناؤها، وكل قرى وبلدات الجنوب. وتعهّد السيّد نصر الله مؤخّرًا بإعادة بناء كل قرى الجنوب المدمّرة، وجعلها أجمل من السّابق. ولكنّ السّؤال الأهم من سيعيد بناء حيفا وتل أبيب وأسدود وعسقلان وعكا ويافا والقدس وبئر السبع ونهاريا بعد تحويلها إلى مجموعة غزّيّات (أكثر من غزة)؟

الشعب اللبناني سيبقى متَمَسمِرًا في أرضه. ولكن هل سيبقى “إسرائيليّون” في فِلسطين، إذا اندلعت الحرب، ليقوموا بإعادة بناء هذه المُدُن بعد تدميرها؟

الأيّام المقبلة قد تجيب على هذا السّؤال إذا نفّذ نتنياهو تهديداته بدَعمٍ من عبدهِ المطيع بايدن وتابعه بلينكن.. والأيّام بيننا.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى