بمناسبة يوم القدس

“القدس مدينة الله…لكنه لا يحررها”

تهدم البيت بالقصف. بيت السعادات: أب وأم شابان 25 وعشرين.

نزحت العائلة، وفي الطريق أخذت القذيفة العشوائية “الأم” وقد ظلت في مكانها، ودفنت في مكانها.

لجأت الأسرة إلى أحد الأقارب، ولكن بعد أيام، صار اللاجئون أسرتين: بيت الاقارب تهدم.

التجأت العائلتان إلى حوش عائلة صديقة…بعد يومين تهدم نصف الحي تقريباً.

الأب كان رأيه: أننا عائلة منحوسة. هذه هي الهجرة الرابعة من يوم فلسطين حتى يوم المخيم. لا ينبغي أن ننحس الناس لأنهم يحبوننا.
وافق الشابان على قصة النحس. وقررا أن يغادرا البلد.

طبعاً… المفارقة أن اسم الأب “سعيد السعادات”. وهو رجل يرمي في المهملات كل الأفكار الثابتة والغيبيات المؤكدة ،ولكنه بقي ،ككل الفلسطينيين ، دائم اليقين بالعودة الى مكان ما من فلسطين…ولو الى قبر .

وقصة النحس جديدة عليه هنا في سورية. لقد كان كل شيء، ضمن أفق هوية وتاريخ لاجىء، معقولاً، إلى أن اشتعلت هذه الحرب التي لم يكن يعتقد أنها ستفتك بمخيم اليرموك بهذا الشكل الهيروشيمي.

لكي يسافر الأولاد باع سعيد حطام البيت، جغرافيا المستقبل ، لشخص يعرفه، وسافر الشابان إلى تركيا، ومن هناك عملية التهريب الخطرة إلى اليونان، ثم في البحر، إلى أي شاطىء. ولأن النحس أصبح أقرب لغة إلى تفسير ما يحدث. فقد هاج البحر وغرق المركب، قريباً من شواطى ء الأدرياتيك / إيطاليا.

أحد الشابين نجا…والآخر ابتلعته الأمواج.

في ألمانيا استقر الناجي . وأظن اسمه “مسعود السعادات” وانقطعت أخبار الرجلين السعيدين “سعيد ومسعود” سنتين ، ليأتي بعدها من يبلغ الأب بأنه يستطيع المجيء إلى المانيا بفيزا تدبر أمرها مسعود.

الأب، في هذه السنوات كان يتنقل من بيت إلى حديقة، ومن حديقة إلى بناية قيد التعمير، ولم يكن يدري طبعاً أن ابنه الثاني (هل أقول لكم اسمه؟) قد ذهب إلى الأعماق بدل الذهاب إلى البعيد.

كيف سيتدبر أمر السفر، وبطاقة السفر وفيزا السفر…إلخ؟

في إحدى الجولات الميدانية لرجل وحيد، وضجر، ويحاول أن يحيا دون يأس ليرى ابنيه… تذكّر أنه اشترى، قبل عشر سنوات، قبراً في مقبرة محترمة ( لا أعرف اسمها، أنا الراوي)، فذهب إلى هناك ورأى ما يشبه حارس المقبرة المغبّر نصف الأهبل. يرتب باقات من الريحان.

اشترى باقة، ودخل إلى منطقة القبر. كل شيء كما كان يوم شرائه.

عن طريق حارس المقبرة…باع سعيد قبره بمبلغ غير متوقع (زادت اسعار القبور كالسلع الزميلة في الحياة ). وذهب إلى تركيا ومن هناك إلى ألمانيا.

هكذا الفرضية القصصية السعيدة التي بطلها فلسطيني منكوب ألف نكبة. ولكن الحقيقة لا أحد يعرفها. هل وصل الرجل إلى ابنه، وهو يعتقد أنهما كليهما في انتظاره؟

قصصياً من الأفضل أن يصل…لأن قلبنا يكاد يتحطم من كثرة القصص الخائبة والموجعة.

وهناك، طبعاً من الكتاب، من يميل إلى إنقاذ هذا الرجل من الألم بأن يخفيه كي لا يعرف المصير الفظيع لولده ، ويخذله ما تبقى من العمر.

قد نستطيع تخيل سعيد السعادات يردد ، في لحظة مغادرته بلادا لن يراها مرة اخرى ابدا:

حسناً، هذا حظ لأول مرة…

أنا بعت قبراً لأشتري وطناً.

الآن ينقصنا علم ونشيد !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى