«بنت العراب» وطن جريح وغربة وأمل يلوح في الأفق:

تتحدث إيمان شرباتي في روايتها «بنت العراب» عن فتاة صغيرة تموت جدتها التي تربيها، فيقودها والدها إلى منزله، فتستقبلها زوجة أبيها بوجه متحجر، فتأخذها إلى ركن منزوٍ قريب من الحمام، فيه بعض الأغراض وفراش صغير إنه المكان المخصص لنومها ويقرران أنه يجب عليها العمل لتساعدهما في هذه الحياة.

فيأخذها الأب إلى دمشق وهناك، في باب توما، يضعها عند ناصر لتعمل عنده، وهذا الرجل كان سجيناً سياسياً وتعرف عليه الأب الذي كان سجاناً قبل أن يُسرح، وتسوء أحواله، فتتم عملية البيع ويقبض الوالد ثمنها.

نتعرف على البيئة الجديدة التي نشأت فيها الفتاة، فنجد ناصراً ينتسب إلى دين غير دينها، إنه يؤلف الكتب وينشرها، ويكتب في صحف مهمة، ماتت زوجته وخلفت له ولداً مصاباً بالتوحد، يزوره بشكل دائم جورج ابن أخته.

ويحدثها عن السجن ومخلفاته وكيف كان السجان يضرب الجدار ليوهم الآخرين أنه يقوم بضربه، وناصر يساعده بالمال الذي يأتيه من أهله، وخلال ذلك تتعرف على دمشق وحاراتها وشوارعها ومناطقها الأثرية، وتتعرف على بعض الكتب التي يملكها ناصر، وأيضاً زهرة التي تزورهم من حين لآخر، فنعرف أن زوجها انتزع طفلتها قسراً وهرب، وأنها كانت تشرف على الولد المتوحّد، ثم تعود إلى بيتها.

هذه الفتاة الصغيرة تكبر وتحصل على الشهادة الثانوية، وتستعد للدخول إلى الجامعة ويسجلها جورج في كلية الحقوق، وبعد ذلك يأخذها إلى مطعم في دمشق القديمة، يجلسان ويستمعان إلى موسيقى جميلة تنبعث من عازف العود وأغنيات شامية وقدود حلبية وعتاب يغنيها مطرب شاب.

وتتحدث أيضاً عن تاريخ دمشق وفتنة 1860 وصناعة الحرير والغرب، وضرب الاقتصاد السوري وكيف جمع الأمير عبد القادر الجزائري المسيحين في القلعة وحماهم من هجوم الغوغاء.ثم يختطف جورج ويريد خاطفوه المال لإطلاق سراحه، ويتنازلون عن نصف المبلغ لإطلاق سراحه، ويعود إليهم سليماً، حينذاك يقرر السفر إلى أميركا لإكمال تعليمه، خوفاً من الإرهاب، وتوضح له الكاتبة أن تاريخ أوروبا مليء بالإرهاب، في الحرب العالمية الأولى والثانية، وأميركا استخدمت القنبلة النووية، وقتلت 3 ملايين فيتنامي، وهجرت أوروبا الفلسطينيين من ديارهم وأسكنت فيها اليهود.

جورج يذهب إلى أميركا ثم يعود ليأخذ بطلة الرواية ويتزوجها زواجاً مدنياً أو يفعل كما فعل فارس الخوري حين قصد المسجد الأموي، وكان وقتها رئيساً للوزراء، وقال قولته المشهورة: إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحماية المسحيين، فأنا المسيحي من هذا المنبر، أشهد أن لا إله إلا الله”.

هذا العمل الروائي استطاع النفاذ إلى أعماق الشخصيات والتغلغل في حركاتها وسكناتها وأحاديثها، واستطاعت الكاتبة اقتحام حقلاً مزروعاً بالألغام، فتعاملت مع الشخصيات والحبكة والخيال واتساع الزمان والمكان بصدق وكشف عن روائية تمتلك أدواتها، وتجيد آليات السرد الروائي.

صحيفة البيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى