بن أفلِك ينقذ الكونغو؟
يطرح «باتمان الرجل الوطواط ينقذ الكونغو: كيف يفسد المشاهير سياسات التنمية» (الكسندرا كوسيما بودابين وليزا آن ريتشي ـــ منشورات جامعة مينيسوتا ــ 2021) تساؤلاً مشروعاً: هل يمكن لأحد المشاهير أن يكون «معطلاً»، في الوقت الذي يعزز فيه الشراكات الاستراتيجية بهدف تقديم أفكار جديدة وتمويل لتنشيط مجال التنمية، أم أن المشاهير سفراء فحسب يتميزون بشخصية جذابة للشركات الكبرى؟ من خلال دراسة دور الأثرياء والمشاهير في التنمية والأعمال الإنسانية، يجادل «باتمان ينقذ الكونغو» بأن المشاهير يقومون بالأمرين معاً، وأن فهم سبب وكيفية ذلك يقدم نظرة ثاقبة لواقع التنمية النيوليبرالية.
ففي عام 2010، أطلق الفنان بن أفلِك، المعروف بأدائه باتمان البطل الخارق، «مبادرة شرقي الكونغو؛ م ش ك» eastern congo initiative التابعة له لتقديم نهج جديد لتنمية الإقليم. يقول المؤلف: «تعتبر دراسة هذه الحالة مركزية من منظور هذا المؤلف. منظمة أفلِك تعمل بمنفذ خاص وتمويل متنوع ودعم كبير من النخب في الدوائر السياسية والخيرية والإنمائية والإنسانية، ما يميزها عن منظمات التنمية الأخرى. وبفضل قدرته على عقد اجتماعات، أقام أفلِك شراكات مع العاملين من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، في التنمية الداخلية والخارجية، على أرضية سياسية، ليست صدقة ولا مساعدة بل «عمل جيد/ good business»». يحتل هؤلاء المشهورون المرئيون والمعروفون بالعمل الإنساني المجال العام، لكنهم لا يشاركون بشكل هادف مع أي جمهور، كما تقول الكاتبتان وهن ألكسندرا كوسيما بودابين المتخصصة في موضوع حقوق الإنسان في «جامعة دايتُن» الأميركية وليزا آن ريتشي بروفسورة العولمة في «كلية كوبنهاغن للأعمال». إنهم مجموعة جامحة من اللاعبين الجدد في مجال التنمية الذين يضخّمون حلول الأعمال (business solutions). فالمشاهير يقومون بتشكيل ممارسات التنمية من خلال الشراكات الاستراتيجية التي تعد طريقة مبتكرة لزيادة الوعي والتمويل للأسباب المهملة واتجاهاً مقلقاً لقيادة النخبة غير الخاضعة للمساءلة في العلاقات بين الشمال والجنوب. وهذا المؤلف يساعد في إلقاء الضوء على مدى سطوة حلول الأعمال المحتفى بها (celebritized business) وسياقات التطوير التي تنشئها.
المؤلف يناقش مسألة دور المشاهير في عمليات التنمية سلباً أو إيجاباً ببحث نشاطات الممثل الأميركي في مشاريع في الكونغو عبر سبعة فصول وثلاثة ملاحق.
يقدم الفصل الأول (المشاهير والاضطراب والتطور النيوليبرالي) المفاهيم الأساس التي يرتكز إليها هذا المؤلف، وفي الوقت نفسه يؤكد أن شراكات استراتيجية للمشاهير قطع أثرية نيوليبرالية (neoliberal artifacts). كما يستعرض تاريخ المشاهير كفاعلين سياسيين تم نشرهم منذ فترة طويلة سفراء للدول والمؤسسات الدولية، لكنهم يتصدرون الآن المنظمات غير الحكومية وحملات الشركات، ما أدى إلى حدوث تحولات في ممارسات الاتصال. كما يجادل الفصل بأن النيوليبرالية للتنمية لا تعتمد فقط على الشراكات الاستراتيجية، لكن أيضاً على الحلول المستندة إلى السوق التي تعتمد على الجمهور، بالتالي على الشخصيات الشهيرة، من أجل «بيع» أفكار «المساعدة» لكل من الجماهير الجماهيرية والنخبة. يقدم المؤلف شرقي الكونغو باعتباره الموضع الهش الذي جلب فيه أفلِك تدخله النيوليبرالي من خلال ممارسات تستند إلى سياسات النخب وترسيخها في التنمية، وفي الوقت نفسه غير خاضعة للمساءلة.
الفصل الثاني (سرد الكونغو: القصص الفردية الخطرة والمنظمات التي تحتاج إليها)، يضع خلفية للمشاركة الخارجية في الكونغو من مشاهير المنظمات الإنسانية والمنظمات الدعاوية. كما يعتمد الفصل على التحليل السردي وسيلة لالتقاط الطرق التي يتم بها تداول الأفكار حول كيفية «إنقاذ» الكونغو و«حل» مشاكله، ويقدم لمحة تاريخية عن التدخلات الأخيرة في الكونغو التي تشمل الإغاثة الإنسانية والدعوة كممارسات عبر وطنية انبثقت من دورة الأزمات في أواخر التسعينيات.
الفصل الثالث (اختيار الكونغو: كيف يبني المشاهير منظمة تنموية)، يضع أفلِك ومنظمته ضمن شبكات النخبة في التنمية. ويقدم الفصل الفنان ويتتبع إنشاءه لمنظمة غير حكومية تنموية كمنظمة متعددة الأهداف ركزت في الأصل على الفقر والصراع في شرق الكونغو. كما يوضح أن أفلِك نصّب نفسه على أنه نوع مختلف من المشاهير في المجال الإنساني ومبادرة شرق الكونغو كمنظمة بمساعدة كادر من نخبة المستشارين والسياسيين وخبراء التنمية. فما يفعله المشاهير عادة في مجال التنمية هو المناصرة وجمع الأموال، لكن أفلِك منخرط أيضاً في تنفيذ وتعزيز مبادرات التنمية التي تتوافق مع الروايات السائدة حول الكونغو، إضافة إلى الأساليب السائدة. يجادل الفصل بأن قدرة أفلِك على تمييز نفسه ومنظمته باختياره للكونغو، هو نهج يرتكز على المناصرة وتقديم المنح والتجمع السريع لرأس المال المالي والسياسي، ما يعكس الطبيعة النخبوية للتنمية.
الفصل الرابع (تسويق الكونغو: المنتجات التي تبيع التطوير) يتفحص عروض المشاهير للحلول المستندة إلى السوق، ويجادل بأن قوة المشاهير في الجمع كانت مفيدة في حشد رأس المال المالي للشركاء من الشركات، إضافة إلى تحديد حاجة جديدة لجمهور المستهلكين.
يحدد الفصل الخامس (توفير القهوة الكونغولية: المشاهير وأنموذج الأعمال من أجل التنمية) الاقتصاد السياسي لمشروع (Kahawa Bora Ya Kivu, KBYK) ترويج القهوة باعتبارها «عامل تغيير».
الفصل السادس (المشاهير والسياسة المحلية للتنمية: كما تراه من كينشاسا)، يقدم منظوراً فريداً لأنشطة أفلِك و«م ش ك» في الكونغو ويستكشف كيف ترى الجهات الفاعلة في التنمية والإنسانية مشهد المانحين وتدخلات الحكومة الأميركية والوكالات الإنسانية والعاملين في المجال الإنساني المشاهير استناداً إلى المقابلات الميدانية وملاحظة المشاركين.
الفصل السابع والأخير (استنتاجات حول المشاهير والتنمية: الاضطراب والتأييد والتسليع)، يعكس التحليل السابق الذي يأخذ في الاعتبار كيف تشير الشراكة الاستراتيجية بين أفلِك و«م ش ك» إلى زيادة خصخصة التنمية مع كل من الآفاق… والمزالق أيضاً.