بوادر تهدئة دبلوماسية بين مصر وإسرائيل بعد وقف إطلاق النار في غزة

مصر تستبعد أي تقدم كبير في مسار العلاقات قبل الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة، نظرًا لغياب القدرة السياسية لدى الحكومة الحالية على اتخاذ قرارات جوهرية بشأن مستقبل غزة والقضية الفلسطينية.
بدأت بوادر انفراج تظهر في العلاقات بين مصر وإسرائيل في أعقاب شهور من التصعيد الحدودي وتبادل المواقف المتوترة، ، بحسب مصادر دبلوماسية وأمنية، وذلك بالتزامن مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، بعد حرب دامية استمرت لأشهر. وبينما لا تُظهر القاهرة نية فورية لتقليص وجودها العسكري قرب الحدود، إلا أن المؤشرات الميدانية والسياسية توحي برغبة متبادلة في إعادة ضبط العلاقات وتخفيف حدة التوتر.
وبحسب مصادر مصرية نقلت عنها صحيفة “الأخبار” اللبنانية، فإن قنوات الاتصال الدبلوماسي بين القاهرة وتل أبيب ستُعاد تفعيلها خلال الأيام المقبلة، بشرط التزام إسرائيل بالتهدئة وعدم خرق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وتُعد هذه الخطوة تحولًا لافتًا بعد التوتر الذي خيم على العلاقات خلال الحرب الأخيرة، وما تبعها من تحشيد عسكري مصري في سيناء أثار حفيظة الجانب الإسرائيلي.
وأوضحت المصادر ذاتها أن مصر وضعت جملة من الشروط لعودة الانخراط الدبلوماسي، أبرزها الاستمرار في تطبيق بنود التهدئة، ومنع أي خرق ميداني يعيد الاشتباكات إلى الواجهة. كما ربطت هذه العودة بإعادة فتح معبر رفح البري خلال أيام، لضمان استمرارية تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
ورغم هذا الانفتاح النسبي، إلا أن القاهرة تظل متحفظة في المضي قدمًا نحو تطبيع كامل للعلاقات السياسية أو الدخول في مفاوضات استراتيجية، ووفق ما ورد في التقرير، فإن مصر تستبعد أي تقدم كبير في مسار العلاقات قبل الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة، نظرًا لغياب القدرة السياسية لدى الحكومة الحالية في تل أبيب على اتخاذ قرارات جوهرية بشأن مستقبل غزة أو القضية الفلسطينية عمومًا.
وعلى المستوى الأمني، لا تزال مصر تحتفظ بقواتها المنتشرة على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة، في خطوة فسّرتها تل أبيب خلال الأسابيع الماضية بأنها تجاوز لاتفاقية كامب ديفيد وملحقها الأمني، بينما تعتبرها القاهرة إجراءً وقائيًا لمواجهة ما تصفه بـ”المخاطر النابعة من داخل القطاع”، خصوصًا في ظل حالة الفوضى الأمنية والفراغ الذي خلفه الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من مناطق في غزة.
وأشارت المصادر إلى أن القاهرة قد تبدأ بتقليص انتشار قواتها تدريجيًا، بالتوازي مع الانسحاب الإسرائيلي من محور فيلادلفيا، ما قد يُسهم في تهدئة التوترات الميدانية، لكن دون العودة الكاملة إلى الوضع الحدودي الذي كان قائمًا قبل اندلاع عملية “طوفان الأقصى”.
وفي تطور لافت، نقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري مصري لم تُكشف هويته، قوله إن واشنطن باتت أكثر تفهمًا للموقف الأمني المصري، ولا تُبدي اعتراضًا على استمرار الوجود العسكري في سيناء، ما دامت العمليات تتسم بطابع دفاعي وتنسيقي يهدف إلى استقرار الحدود، وليس تصعيد التوتر مع إسرائيل.
ووفق هذا المسؤول، فإن مصر تعتبر أن سلاح الفصائل المسلحة في غزة لا يهدد الأمن الإسرائيلي فحسب، بل يشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن المصري أيضًا، خاصة في ظل إمكانية تسلل عناصر متطرفة عبر الحدود أو نشوء فراغ أمني على تخوم سيناء.
وتُجمع القراءات السياسية في القاهرة وتل أبيب على أن وقف إطلاق النار في غزة فتح نافذة لتهدئة الأجواء بين الطرفين، بعد أسابيع من الشكوك والتراشق غير المباشر. لكن هذا الانفراج لا يعني بالضرورة عودة سريعة إلى الثقة الكاملة، إذ ما زالت الملفات العالقة، من بينها ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، ونزع سلاح الفصائل، وتثبيت الاستقرار الحدودي ومستقبل ممر فيلادلفيا، تُشكّل عقبات حقيقية أمام ترميم العلاقة بشكل كامل.
وبرغم تلك التعقيدات، فإن التهدئة الأخيرة أوجدت أرضية مشتركة بين القاهرة وتل أبيب، لا سيما في ملفات التنسيق الأمني والحدود، وهو ما يمكن أن يُستثمر خلال المرحلة المقبلة لتخفيف حدة التوتر، شرط بقاء الأوضاع في غزة تحت السيطرة، وعدم حدوث تصعيد جديد يعيد الأزمة إلى نقطة الصفر.
ميدل إيست أونلاين



