بوتين يطرح رؤيته للنظام الدولي المنقذ : قيم إنسانية و تعاون دولي
أحتار المراقبون بتوصيف فعالية الرئيس بوتين في منتدى فالداي الأخير . هل طرح رؤيته للنظام الدولي القادر على إخراج العالم من إضطرابه ؟؟ أم أنه كان يحاكم الغرب و سياساته و إيديولوجيته ؟؟ أم كان يقدم التجربة الروسية كنموذج لإستعادة العظمة و الدور الإقليمي ؟؟ و بعد التدقيق يمكننا القول أن ما فعله بوتين أمام منتدى فالداي ليس إلا تكريساً لنجاح تجربة روسيا كقاعدة أنطلق من عناصر نجاحها ليطرح أسس النظام الدولي المنقذ، عارضاً نقده و محاكمته للغرب وسياساته وإيديولوجيته التي أوصلت العالم في القرن 21 إلى إضطرابه . فما هو طرح بوتين الذي قدمه في فالداي ؟؟
أعتبر بوتين أن عنوان هذه الدورة من فالداي توصيفاً لحال العالم، و حلاً للوصول إلى النظام الدولي المنقذ ( إضطراب العالم في القرن 21 : الفرد ، القيم ، الدولة ) . و فصل رؤيته، التي أختصرت بهذا العنوان، متبنياً الحكمة الصينية التي جعلت مفردة (الأزمة) مؤلفة من حرفين ( الخطر والإمكانية ) مشيراً إلى أنه رغم المخاطرفإن هناك إمكانية للحل والخروج من الأزمة بنظام عالمي منقذ …
يشخص الخطر الذي يجعل العالم مضطرباً ومؤلفاً من خطر المناخ و خطر الأوبئة و خطر التطرف ( الإرهاب) و خطر الإعتداء على سيادة الدول و خطر نشر إيديولوجيا تدمّر القيم الإنسانية . . . ألخ . و كلها مخاطر عابرة للدول و تطال الشعوب كلها . لذلك فإن معالجتها لا تتم إلا بالتعاون بين الجميع ، جميع الدول، في إطارِ لا يسعى إلا لدفع الخطر عن الجميع دون السعي لتحقيق مكاسب لهذه الدولة أو تلك . إنه التعاون الدولي لإنقاذ العالم كله .
هذا التعاون يحتاج لتبني قيم واضحة أساسها إحترام سيادة الدول، و عدم محاولة سيطرة أي دولة على أخرى . كما تتضمن هذه القيم إحترام ثقافة و خصوصية كل شعب و أمة دون محاولة فرض ثقافة دولة ما على دولة أخرى . و أساس القيم التي طرحها بوتين يمكن أن نسميها قيم الفطرة الإنسانية المتمسكة بالعائلة والأسرة والتماسك الإجتماعي وإحترام خصوصية الرجل و المرأة في إطار مساواتهما . و أعرب بوتين صراحة أن روسيا تتبنى إيديولوجيا ( محافظة تقليدية معتدلة ) مهاجماً إيديولوجية البلاشفة القامعة النافية للعائلة و الحرية، و التي يمارسها الغرب الآن تحت لافتة الليبرالية ..
بوتين في طرحه لقيم النظام الدولي المنقذ أعتبر الدولة إحدى أهم القيم الحامية للمجتمع و المنظمة لفعالياته والمديرة لأمنه وإستقراره وإرتقائه . و ربما لحرصه على الدولة ، هاجم بوتين و أنتقد الثورات .( كالربيع العربي ) معتبراً أنها ( الثورة ) تقود إلى الفوضى . و لا تنتج أي تقدم ، مذكراً أن الحروب التي تصيب ( ربما الناتجة عن الثورات ) لا تنتهي بل تغير إسلوبها و أدواتها . لذلك نرى أن الفائز عسكرياً بالحرب يعجز عن إعادة بناء بلده و استعادة دوران عجلة الإنتاج، فتستمر الفوضى وبزداد الإنهيار ، لأن الحرب مستمرة بأشكال و أدوات مختلفة . و بحديثه عن الدولة فقد اعتبرها بوتين , ضمناً عنوان الإستقرار و العدالة و المساواة و الرفاه ، دون أن يصفها بأي صفة تثير الخلاف .
بوتين في فالداي كان المنظر السياسي القادم من تجربة حكم أعاد إلى روسيا عظمتها و دورها الدولي . و إنطلاقاً من تجربته الفكرية و العملية قدم رؤيته للنظام العالمي المنقذ ، و أهم ما أكده بوتين فيما طرحه أنه ليس حاكماً يمسك بالقرار فقط ، بل هو سياسي يعتمد على إنتاج الفكر وتحويله إلى سياسات تدير دفة الحكم للوصول إلى الأهداف الموضوعة . إنه الحكم القائم على الفكر المدروس والعملي والقابل للتطبيق ..وهذا كله ما أعطى لمنتدى فالداي بعده العالمي كساحة للتفكير و إنتاج الحلول و وضع السياسات .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة