«بوكر» ونجوم الرواية العرب

ما زالت جائزة البوكر العربية تثير مزيداً من السجال، لا سيما بعد صدور لائحتيها، الطويلة والقصيرة. والسجال غالباً ما يشمل نواحي عدة من الجائزة مثل اختيار لجان التحكيم، المعايير المعتمدة في الاختيار، الرقابة المضمرة أو غير المعلنة، كفاءة المحكمين، تجاهل أعمال مهمة… ولعل هذا السجال الذي لن ينتهي يدل على الأثر الذي تتركه هذه الجائزة في الوسطين الروائي والنقدي. هنا رأيان في سياق هذا السجال.

< لا أملك أي معلومات عن مشاركات الروائيين العرب في مسابقة جائزة «بوكر» للرواية، فتلك أسرار هيئة الجائزة ولجنة التحكيم، لكنني مع ذلك ألاحظ أن الدورات الثلاث الأخيرة خلت قائمتها الطويلة من أسماء روائيين عرب هم الأكثر شهرة، ما يدفعني للتخمين أنهم يعزفون عن المشاركة. أقول هذا بسبب الجدالات العاصفة التي رافقت الجائزة في بداياتها، والتي وصلت في أحيان إلى حد مطالبة بعضهم بأن تمنح للمشرقيين سنة وللمغاربة سنة تليها ، وكأن حال هؤلاء الروائيين النجوم كحال من يبحث عن ضمانات مسبقة للفوز كي يشارك في المسابقة.

قائمة البوكر الطويلة في الدورتين الأخيرتين جاءت من روائيين شباب من الجنسين، ولا نكاد نلمح بينهم روائيين مخضرمين وتلك ميزة تحسب للمسابقة وجائزتها، ولكنها في الوقت نفسه تعكس مآلاً سلبياً يذهب بالجائزة إلى مساحات محدودة بات معها الروائيون العرب يخشون افتضاح مشاركتهم إن هم وصلت رواياتهم للقائمة الطويلة ووقفت عندها وتجاوزتهم أسماء بعضها – إن لم نقل أكثرها – من أصحاب الروايات الأولى أو الثانية على أبعد احتمال. هي ميزة «بوكر» الأهم : ففي الوقت الذي تعلن كل المسابقات الأدبية أنها تمنح جوائزها للأثر الإبداعي وليس لمبدعه، نجد أن مسابقات نادرة مارست ذلك حقاً، ومن يعود اليوم لأسماء الكتاب الذين فازوا بجائزة «بوكر» منذ انطلاقتها يجد أن بعضاً من أصحاب الروايات الأولى نالوا الجائزة عن تلك التجارب البكر. هي مساحة للتجريب بالمعاني كلها، لكن المعنى الأهم في تقديري يكمن في تشجيع الروائيين على التخلص من «عادات» ثقافية ضارة تراكمت بفعل مفاهيم خاطــــئة تتداولهــا الساحة الثقافية العربية، تربط الإبداع بنوع من النجومية التي تحيط بالكاتب بالمعنى الإعــلامي أكثر مما ترتبط بالمعنى الإبداعي، ما جـــعل الفشل في الحصول على جائزة مسابقة أدبــية ما يعني عند كثر من الكتاب العرب إهانة تطال الكاتب في صورة شخصية ناهيك بالطبع عن عشرات الذرائع التي يسوقها البعض لتبرير فكرة «التقاسم» التي تداعب مخيلته ويراها «حلولاً» ناجعة كأن تقوم قراءات صحافية لقوائم الفائزين في «الطويلة» و»القصيرة» على عدد من وصلوا لكل قائمة من كتاب هذا البلد أو ذاك، وهي فكرة تتأسس على «تاريخ» بلد عربي ما في الكتابة الروائية ولا تأخذ في اعتبارها الرواية المشاركة في المسابقة وجمالياتها الفنية. هي «عادات» تنتسب للإعلام أكثر من انتسابها للإبداع، وربما لهذا السبب بالذات تأخذ المنافسات الطليقة بين المبدعين أهميتها الكبرى في تنقية عالم الأدب والإبداع من أوهام الأسماء، بل من سطوتها على أصحابها أكثر من أية سطوة موهومة لها على جمهور القراء المحدود.

هل يجدر بجائزة «بوكر» أن تعلن منذ البداية أو حتى في النهاية أسماء الكتاب الذين شاركوا في كل دورة وعناوين رواياتهم؟

قد تكون خطوة كهذه صدمة لكثر من الكتاب الروائيين العرب وتدفعهم للإحجام عن المشاركة، لكنني أعتقد أنها مع ذلك ستمهد لفضاء مسابقات أدبية أكثر صحة إذ هي ستضع الروائيين على أرض المنافسة الحقيقية، السليمة والتي تقوم على الإبداع خالياً من أية عوامل إسناد يمكن أن تأتيه من خارجه.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى