بيان “تثويري” لحركة “فتح” يطالب بنزول الشعب الى الشوارع والميادين للتصدي لصفقة “الخزي” ومؤامرة “الضم”؟
تصدر عن السلطة الفلسطينية بين الحين والآخر إشارات توحي بان قيادتها جادة في تنفيذ قرارها بـ”التحلل” من الاتفاقات الموقعة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، مثل اتفاقات أوسلو، والاعتراف بدولة الاحتلال، وانهاء التنسيق الأمني، ولكن تجارب الشعب الفلسطيني السابقة، والمؤلمة مع هذه السلطة، تجعلنا ننظر اليها بعين الشك والريبة من ابرز هذه المؤشرات حرق بعض الوثائق السرية المهمة حتى لا تقع في ايدي قوات الاحتلال في حال اقتحام مقارها، وسحب قوات الامن من المنطقة (ج)، ورفض استلام أموال المقاصة العائدة للسلطة من الضرائب، لأنها مرهونة بعودة التنسيق الأمني، واستئناف كل الاتصالات مع الحكومتين الاسرائيلية والامريكية ولعل البيان الذي اصدته حركة “فتح”، حزب السلطة، الذي وجهته لأنصارها من اجل التظاهر ضد صفقة القرن والخطط الاسرائيلية بضم اراض جديدة في الضفة الغربية وغور الأردن مطلع الشهر المقبل (تموز يوليو)، كان الأكثر مفاجأة بالنسبة الينا والكثير من الفلسطينيين مثلنا في الوطن والمنافي.
فلهجة هذا البيان “انقرضت” منذ توقيع اتفاقات أوسلو امام البيت الأبيض عام 1993، وذكرتنا بأدبيات الحركة الأولى التي تتسم بالوطنية والتحريض ضد الاحتلال الإسرائيلي والمطالبة باجتثاثه، وتحرير جميع الأراضي المحتلة، ونضرب مثلا بالفقرات التي تقول “نحث شعبنا على خوض جولة جديدة مع هذا الكيان الغاصب، من اجل جرحانا واطفالنا ونسائنا وشيوخنا، من اجل وطننا الذي لا نقايضه بالدولار والطحين وعلب السردين”، او الأخرى التي تقول “فهبوا يا شعبنا العظيم، نصره من اجل ترابكم الوطني، وشاركوا معنا في مسيرات الغضب المنددة بسياسات المجرم الإسرائيلي، ولنقف تحت الشمس، وامام العالم بأسره ونرفع الصوت عاليا، ومقذوفة العنفوان والتحدي.. نعم للدولة الفلسطينية المستقلة.. نعم للقدس عاصمة فلسطين ودرة الحلم”.
صحيح ان البيان تحدث عن “الجرحى” ولم يتطرق مطلقا الى كلمة الشهداء، ولم يأت أيضا على ذكر “المقاومة” حتى الشعبية منها، كما انه لم يحدد موعد هذه المسيرات، وأماكن انطلاقها، الامر الذي عزز شكوكنا، ولكنه كان مختلفا عن كل البيانات السابقة للحركة، الامر الذي يطرح سؤالا مهما عما اذا كان موضع اجماع في الحركة، وصدر بموافقة القيادة، ام انه يمثل جناحا متشددا في الحركة بدأ يطل برأسه في ظل تصاعد الاقتحامات للجيش الإسرائيلي لمدينة رام الله، وكل المناطق الأخرى الخاضعة للسلطة؟
عندما يؤكد السيد حسين الشيخ، وزير التنسيق المدني مع دولة الاحتلال، واحد ابرز المرشحين لخلافة الرئيس عباس، بأن السلطة ستواصل التصدي للارهاب في مناطقها ومنع أي هجمات “إرهابية” ضد “اسرائيل” ومستوطنيها، فان هذا يرجح وجهات النظر التي تقول ان التحلل من الاتفاقات مجرد مسرحية، وان التنسيق الأمني مستمر، وان دار ابي سفيان السلطوية ما زالت على حالها التقينا السيد سلام فياض، رئيس وزراء السلطة الذي فرضته كونداليزا رايس وتوني بلير كوزير للمالية مثلما اعترفت في احد فصول كتابها الجديد، اثناء احدى زياراته الى لندن عندما كان يهيئ البنى التحتية لقيام الدولة الفلسطينية، الذي وعد الرئيس باراك أوباما انها ستقام في خلال عامين، سألناه، وبعد ان نكث الرئيس الأمريكي بوعده، عن أسباب غياب أي رد فعل قوي من السلطة على هذه الخديعة، وعدم تنظيم حركة “فتح” مظاهرات احتجاجية كأضعف الايمان، قال بالحرف الواحد “نخشى ان تخرج هذه المظاهرات عن السيطرة، وتخلق حالة من الفوضى، وتبرز قوة المستقلين وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في الشارع الفلسطيني”.
تذكرنا كلمات الدكتور فياض هذه ونحن نقرأ بيان حركة “فتح” التحريضي على “المسيرات” الاحتجاجية، فهل ستكون هذه المسيرات جدية، وبداية تغيير في سياسة الحركة والسلطة؟ ومقدمة لانتفاضة ثالثة؟ وهل ستكون مفتوحة لجميع الفصائل والتيارات للمشاركة فيها، وكيف سيكون موقف قوات الامن الفلسطينية في حال اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي عليها؟
لا نملك إجابات عن أي من هذه الأسئلة وغيرها، ولكن ما نعرفه ان حركة “فتح” ما زالت قوة مؤثرة لها وزنها في الشارع الفلسطيني، وتملك تراثا عريقا في المقاومة، واشعال فتيل الانتفاضتين الأولى السلمية “الحجرية” (من الحجر)، والثانية المسلحة التي ارعبت الكيان الإسرائيلي وجعلت قيادته (شمعون بيريس) يتوسل طوب الأرض لوقفها، والعودة للمفاوضات للوصول الى التسوية السلمية، فهل هناك اجندة سرية بديلة للحركة التي انجبت فصيل “شهداء الأقصى” المقاوم؟
ثورة الشعب الفلسطيني ضد سياسات الضم او الاغتصاب الجديدة للأرض قادمة حتما، والمسألة مسألة وقت، فاذا كانت الانتفاضة الثانية انطلقت بتحريض من الرئيس الشهيد ياسر عرفات بعد وصوله الى قناعة راسخة بعد مفاوضات كامب ديفيد بان دولة الاحتلال لا تريد السلام ولا السماح بقيام دولة فلسطينية، فان الانتفاضة الاولى انطلقت بشكل عفوي احتجاجا على سياسات الاحتلال لاستيطانية، ومن المفارقة ان أوضاع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع كانت في حينها افضل عشر مرات مما هي عليه الآن، ونحن نتحدث هنا عن الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
هذه الثورة تنتظر “المفجر” او عود الكبريت، والضفة الغربية تعيش حالة من الغضب غير مسبوقة، وشبانها الشجعان الذين لا يخضعون لعبودية الراتب، والوظائف الوهمية، جاهزون للنزول الى الميدان، وربما اللجوء الى السلاح للدفاع عن انفسهم، خاصة ان الضفة والمناطق المحتلة عام 1948، مليئة بالأسلحة.
ختاما، نقول بأننا نأمل ان يكون بيان حركة “فتح” ذات الإرث الثوري العظيم، المليء بتضحيات الشهداء، والجرحى، والاسرى، انعكاسا لاستراتيجية جديدة، ومقدمة للمقاومة بأشكالها كافة لإحباط مشاريع الضم وصفقة الخزي والعار، وإعادة الهيبة للشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية في ظل سياسات التطبيع والتشويه من بعض العرب.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية