أحوال الدنيا

“بيت أهلي”: دمشق عمران كلمة الحق الحية أبدا

د. فؤاد شربجي

عاتبني صديق مثقف وكاتب وناقد كان يعرف نص مسلسلي “بيت أهلي” ورأى ما فعل الإخراج به. عاتبني صديقي لأنني لم أكتب ما فعله الإخراج من تضيع للجوهر الأساسي للعمل المعبر، عن حقيقة دمشق الشام كحاضرة وحضن ورحم وأم للحياة والود. وكروح تقوم على التطلع للأرقى والأعدل والأجمل، وكعزيمة مبثوثة في عمرانها، وكطاقة تديم الحياة والكرامة والسمو. حقيقة دمشق الشام في عمرانها الحي المشيد والمؤسس على وحول كلمة الحق. عاتبني صديقي لأني لم أكتب كل ذلك عندما عرض المسلسل قبل أقل من عام. والذي رغم كل شيء حقق نجاحا جيدا.

‏مجتمع المسلسل، كمنبعه وأمه دمشق، يعيش حول الجامع الأموي، وأحداثه تدور كحياة دمشق وأهلها حول إشعاع ومعنى وطاقة الجامع الأموي. الحب المرتقى للزواج. والمعرفة كحب. وأعادة الاكتشاف كاستمرار. ومواجهة الأجنبي كهوية. وبناء الحياة الاجتماعية المتماسكة كسلوك. وتلاحم الناس وسعيهم للرزق والاستمرار كفطرة. والجهد لكشف المجرم الغاصب القاتل والمحتل للبيت ككرامة وعدل. والحرص على الروح والعقل كتحين وحصانة. كلها أحداث تسلسلت وتقاطعت وتصارعت حول إشعاع الجامع الأموي. حيث كشفت بطلة العمل ومحوره الأصلي (سلوى) مرة تلو الأخرى أنه ليس من العبث قيام وعمران وبناء ونشوء الأموي حول ضريح النبي يحيى عليه السلام، النبي عند المسلمين والقديس عند المسيحيين. سيدنا يحيى الروح الإلهية المسلمة والمسيحية والجامعة لهما. سيدنا يحيى الذي قضى وقتل على يد ملك كافر (هيرودوس) لأنه تمسكك بالحق ورفض أن يفتي له بالحرام المخالف للحق. قضى سيدنا يحيى وقتل تمسكا بالحق وبكلمة الحق في وجه ملك كافر عاهر سارق ومجرم. قضى سيدنا يحيى من أجل الحق والتمسك بكلمة الحق. وجاء عمران دمشق الشام حول رأس سيدنا يحيى امتدادا لهذه النبوة الشجاعة. وتكملة لهذه الاصالة المقدسة جاء عمران دمشق الشام حول النبي يحيى ليكون استمرارا لطاقة التمسك بكلمة الحق، وحياة متوالدة لقوة الحق في وجه كل ملك كافر. وكما سماه الله (يحيى) وهو الفعل المستمر الوحيد في الأسماء والمعبر عن بقائه حيا. جاء عمران دمشق الشام بروحية مركزها “يحيى” مستمرا في الحياة. وباقيا كيحيى منذ بدء الأكوان.

‏هذا المعنى، وهذه الروح، وهذه الطاقة، حاولت أن أصوغ جزءا منها في شخصيات وأحداث وبيئة بيت أهلي كشكل من أشكال الدفاع عن حقيقة وأصالة هذه الحاضرة الحية التي تعرضت للتسخيف خيفة والتشنيع الحاقد من كثيرين. وتسلحت في كل ما كتبته في النص ببعض من معاني هذه الشام الأصيلة الودود الجريئة والشجاعة والحريصة على التمسك بكلمة الحق. ولكني أعترف أن الإخراج بسبب استلابه لسطحية وسذاجة وتفاهة وتأثير باب الحارة عليه، وخضوعه لبعض الأفكار الاستهلاكية السخيفة، ضيع الكثير الكثير من معاني النص وهدر حقوق الشام علينا. وعتم على جوهرها المشع من وهج تمسكها بكلمة الحق.

‏في الحقيقة أكتب الآن عن بيت أهلي بعد اقل من عام على عرضه لا تنفيسا عما في صدري من خيبة جراء ما ارتكبه الإخراج بما كتبته في بيت أهلي وحسب. وكتابتي اليوم ليست بسبب عتب صديقي علي فقط، بل لأن الجامع الأموي بكل معانيه وروحيته وطاقته يستعيد إشعاعه هذه الأيام. ويكشف عن تألقه الروحي ويتوهج كمنارة للحق وللمتمسكين بكلمة الحق مذكرا العالم كله أن دمشق مثل قلبها وروحها النبي يحيى عليه السلام حية مستمرة بالحياة والتجدد والارتقاء رغما عن أي ملك أو سلطان مهما كفر أو أجرم أو تجبر. دمشق الشام عمران ود وروح رحمة وكلمة حق وماء حياة. لذلك هي حية مستمرة وتستمر وستستمر.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى