بيللا…الجميلة السوداء

الكلب أقدم حيوان رافق البشر.
وأكثر منهم وفاء لهذا العيش المشترك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لها مطالب كثيرة تجعلها شرسة إذا لم تتحقق. ومع ذلك فهي ـ كالجميع ـ تملك استجابة هادئة للتحذير.

لمسات على جبينها، وهدهدة بسيطة تنسيها مطالبها الكثيرة التي تجعلها شرسة.

عندما كانت تُضطهد…تصبح كئيبة وقد انخفض عنقها إلى الأسفل كأن جرساً قد عُلق به.

وعندما ترى ابتسامة على وجه الآخرين يهتز جسدها، وتوشك أن تضحك… وتزول علائم الكآبة.

كانت لا تعاتب. وكذلك كانت تنسى بسرعة كأنما تقارن حجم الإساءة بحجم الإحسان، فتذكر الثاني وتنسى الأول.

لذلك كانت المهمة مزدوجة:

إن صمتها يحتاج إلى مترجم. فهي اللغة التي تستجيب بها لحوارك معها. وعليك إذن أن تبدع لغة مخاطبتها كي تبدع لك لغة صمتها.

هذه المخلوقة التي كانت تتدرب على إرضاء اليد التي تحرّك اتجاهها ،وعاطفتها نحو كل شيء،وتطعمها… تبدو الآن، وهي بعيدة، كأنما قد بكت طويلاً، وما تزال تبكي.

إذ ما الذي ستفعله بعاداتها ، وتعوّدها، وما حفظته ذاكرتها الصغيرة من صور، وقلبها الصغير من الحب؟

…………………..

سوف يمضي وقت طويل قبل أن يصبح سهلاً نسيان الشكل الآدمي الذي كانت تتخذه حركاتها حين تبغي كشف أسرار لغتنا التي لا تفهمها.حين تضاعف اهتمامها لتفهم .

وسوف أشعر بالندم لأنني لم أعلمها كيف تهرب إذا وقعت في ورطة. فلقد كان ضرورياً ـ في حارة الصيادين ـ أن أحسب حاجة البعض لها.. ورغبتهم بامتلاكها.واعجابهم بسوادها.

شيء آخر أكثر كآبة ستعلمني إياه:

” أن أعذر وأفهم أولئك الذين يحزنون من أجل الأشياء الصغيرة، والكائنات الصغيرة.

ياللاكتشاف!

بل يا لنسيانه الفظ…نسيان البديهيات .

“كم أن هذه المخلوقات الضئيلة تملك من الحياةالوفيره “.

“بل كم أن الكائن… أي كائن هو غال، بمقدار ما ، في لحظة ما ، من الزمان أو المكان”.

يا لبيللا السوداء الجميلة المفقودة!

دمشق 23/1/ 1975
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رثاء لكلبة سوداء بهذا الاسم، مكتوب قبل 42 عاماً ـ لأغراض سياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى