بين الاتفاق السعودي – الإيراني وبين قمة الأطلسي : من الإنفراج إلى التأزم !!
د . فؤاد شربجي
بعد الاتفاق السعودي الإيراني في بكين ساد المنطقة إنفراج وتعاون امتد من طهران و الرياض إلى دمشق، ومن دول الخليج إلى اليمن ولبنان، و ارتفعت وتيرة الأمل بالخروج من حالة الصدام إلى حالة التعاون. فمن إعلان الاتفاق على فتح السفارات بين الرياض وكل من دمشق وطهران إلى عودة سوريا إلى مقعدها في القمة العربية إلى إطلاق الأسرى في اليمن ووقف المسيرات والصواريخ الحوثية ضد السعودية . من كل ذلك خرجت البشائر بمرحلة جديدة تسود المنطقة العربية أساسها التعاون. و فجأة ركدت مياه هذا التوجه وتباطأ جريانها حتى كاد أن يتوقف في ظل تلميحات عدائية من جهات محسوبة على إيران ضد السعودية، تقابلها رسائل إعلامية أنتقادية خليجية تجاه إيران . فماذا يجري في المنطقة ؟ وما الذي أعاد المياه إلى مستنقع الأزمة الملئ بالألغام المتفجرة ..
جاءت قمة حلف شمال الأطلسي بعد شهور من الاتفاق السعودي الإيراني في بكين، ويبدو أن الادارة الأمريكية استطاعت في هذه القمة استعادة التعاون التركي الفاعل ضمن الحلف الاطلسي ، كما استطاعت استثمار التلكوء بإنجاز الخطوات المتفق عليها بين إيران والسعودية، من عدم استجابة الحوثي للسلام في اليمن إلى عدم إيجاد خطة عملية مع سوريا لإعادة اللاجئين إلى إعلان الخليج عن استمرار تهريب الكبتاجون إلى عدم التعاون بين العرب و سورية في ابتكار (حل سياسي ) يحفظ سيادة واستقلال سوريا . وبضم تركيا إلى الجهود الأطلسيه واعتماد التنسيق مع الخليج العربي بدا واضحا أن قمة الأطلسي شرعت بالعمل في صياغة استراتيجية جديدة للمنطقة تكون تركية في أساسها، و تنسق دول الخليج في إطارها بهدف صياغة (توازن إقليمي) يصب في مصلحة الأطلسي وتركيا ودول الخليج ويعوض عن تباطوء وركود مياه الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين ..
وإذا كانا تباطوء وركود الاتفاق السعودي الإيراني سببه التدخل الأمريكي لإفشاله، أو كان سببه اصرار إيران على سياساتها في المنطقة فإن النتيجة واحدة وهي خيبة الآمال التي عقدت عليه. والتي نتج عنها بروز استراتيجية أطلسية جديدة. تستفيد من عودة تركيا الفعلية إلى الحلف . و تعتمد التنسيق مع الخليج المتمسك بدوره في المنطقة. دون أن ننسى أن الاستراتيجية الأطلسيه تتضمن حتما التحرش بروسيا وقوتها في سوريا كامتداد للصراع الأطلسي الروسي في أوكرانيا . هكذا تعود المنطقة وسوريا في مركزها لتكون مركز صراع أطلسي تركي مع تنسيق خليجي من جهة. ضد إيران وروسيا بما يطال سوريا من جهة أخرى. أي أن المنطقة و نتيجة التوجهات الأطلسيه تعود لتكون بؤرة صراع مشتعل تمهيدا لتفجره.
وإذا كانت سوريا في مركز هذا الصراع وساحته الأساسية فإن الغرب الأطلسي يكون قد استطاع أن يقطع الطريق على ما سمي بـ (التطبيع العربي مع سوريا ) . ولم يعط لا سوريا ولا دول الخليج الوقت الكافي أوالفرصة الملائمة لتثمير هذا التطبيع، ويبدو ان عدم التفهم الكافي لمتطلبات إعادة اللاجئين ووقف تهريب المخدرات من جهة، وعدم الجدية في محاولة ابتكار (حل سياسي سوري ) يحافظ على جوهر السيادة السورية ويلبي المطلب العربي بالحل من جهة أخرى. يبدو أن كل ذلك ساعد أمريكا على قطع الطريق على التطبيع العربي مع سورية مما أدى إلى تجميد مسار استعادة الفعاليه العربية باستعادة سوريا وهذا بالطبع ما يضطر سوريا للتمسك بعلاقتها مع إيران، لا بل زيادة توثيقها . وهذا أيضا ما يضر ويؤذي عملية استكمال زعامة السعودية للقطبية العربية . و بالمقابل فإن هذا ما يتيح لتركيا استثمار مناورتها مع الأطلسي لتعميق نفوذها في سوريا عبر إنجاز منطقة آمنة مقابل التعاون مع واشنطن في تجنيد العشائر العربية لقطع التواصل البري السوري العراقي الممتد إلى إيران من جهة و إلى لبنان من الجهة الأخرى مما يضع إيران والمليشيات الحليفة لها في مواجهة مع القوى الأطلسيه والأمريكية في شرق سوريا، و تصبح الحرب في مهب شرارة من هنا أو من هناك..
ببساطه أن من افشل أو دفع الاتفاق السعودي الإيراني إلى الركود أو الجمود هو ما اتاح لأمريكا الاستثمار مع تركيا والخليج في إطار استراتيجية أطلسية تسعى إلى خلق التوازن في المنطقة، شعور تركيا أنها أساس النظام الإقليمي كما يطمئن السعودية والخليج إلى أن العمل للجم النفوذ الإيراني فعال ومستمر. والمصيبة أن هذه التوجهات الجيوسياسية المتسارعة تتم على حساب سوريا والشعب السوري حيث يزداد الاستعصاء السياسي في قضيتها ويشتد الاختناق الاقتصادي على ناسها . وإذا كانت أمريكا وتركيا والخليج قادرون على تكاليف الصراع، وإذا كانت روسيا وإيران تملكان القدرات اللازمة للمواجهة، فإن سوريا والشعب السوري الذي صمد لاكثر من 12 سنة لا يجد اليوم من يساعده كفاية على توفير العيش اللازم للخوض في هذا الصراع ، خاصة وأن الصواريخ والمسيرات والذخائر وحدها لا تحقق النصر، لأن الجوع عدو همجي وله القدرة على التدمير أيضا . وإذا كان العرب يريدون تعاونا إيرانيا طيبا وخيرا فإن عليهم استيعاب الفرق بين تعاون سوريا مع إيران لحماية مصالحها الوطنية وبين تعاون مع إيران يؤذي العرب ويستهدفهم ،لأن في فهم هذا الفرق استيعاب للعلاقة السورية الإيرانية التي تقوي سوريا ولا تضعف أو تستهدف العرب. ويمكن على أساسها بناء التعاون العربي مع سوريا باطمئنان ونجاح ..
إن المصلحة العربية تقتضي الاستمرار في شحن الفعالية العربية عبر التعاون مع سوريا وعبر اعتماد سياسة واقعية في تبني خطة إعادة اللاجئين، ومنع تهريب الكبتاغون، والأهم عبر التفاعل مع سوريا لابتكار (حل سياسي يحفظ السيادة السورية) ويحقق المطلب العربي والدولي ولا يمكن أن تتحقق المصلحة العربية بالانخراط في أي استراتيجية أطلسية أو غير أطلسية تجعل من المنطقة العربية مجرد وسيلة لتحقيق مصالح جيوسياسية للدول الأخرى… لا للعرب !!!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة