بين القاهرة وموسكو (شرف كمال)

 

شرف كمال

الحراك الذي يشهده المجتمع المصري، يمثل نقطة تحول واضحة في اتجاهات السياسة الخارجية للقاهرة، مدفوعة بإرادة شعبية تطالب بعودة العلاقات الوثيقة مع موسكو، مستندة إلى ميراث من تاريخ التعاون الإيجابي المثمر، فبصمات الخبراء الروس تبدو جلية في كافة المجالات، خاصة تلك التي تعتمد عليها مصر اليوم، ويظل السد العالي رمزا لعلاقات الصداقة والتعاون بين الشعبين الصديقين.
الأكيد ان الشعب المصري الذي ثار في 30 حزيران/يونيو الماضي واسقط حكم الإخوان، يُدرك أن مستوى العلاقات المصرية الروسية، لم يكن يستجيب لتطلعاته وطموحاته، كما لا يرقى لتاريخ حافل بمواقف موسكو الداعمة، في مواجهة أطماع الغرب واستغلال مقدرات المنطقة والشعوب العربية.
رسالة الشعب المصري بعد الثورة، كانت واضحة، عندما رفع صورة الرئيس بوتين بجانب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وتتبلور اليوم في زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية الى موسكو.
والوفد يضم رموز المجتمع المصري في الفن والأدب والسياسة والعلم والفكر الإسلامي المستنير، ليعكس رغبة مصرية شعبية في مزيد من توثيق العلاقات مع موسكو، التي لطالما قدمت الكثير من الدعم العسكري والسياسي والثقافي، في الوقت الذي كانت الدول الغربية تمارس الابتزاز السياسي.
ولم ينس المصريون دعم موسكو لبناء السد العالي، في الوقت الذي حاولت واشنطن ابتزاز القاهرة، وتقديم موسكو التقنية العسكرية التي ساعدت في تحقيق انتصار 1973 ، لتتمكن مصر من الوقوف على أرض صلبة وتستعيد مكانتها العسكرية والسياسية إقليميا ودوليا، بينما كان الغرب يسعىن بكل ما يملك من جهد، لإضعاف القدرات المصرية والعربية.
كما لم تتجاهل ذاكرة الأسرة المصرية انخراط العائلات الروسية في المجتمع المصري، منذ ستينيات القرن الماضي في أسوان والقاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والسويس، واليوم اصبحت مدينة الغردقة، قِبلة السياحة الروسية على شاطئ البحر الأحمر، تتحدث الروسية.
فلا شك انه بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والأجواء التي أحاطت بالسياسة المصرية خلال حكم الراحل أنور السادات، شهدت  العلاقات مع موسكو انقطاعا كاملا، ثم فتورا في التعاون، وسادت أجواء غير مريحة تجاهلت عقودا من التعاون الوثيق والمثمر.
واليوم، وبعد الثورة في 30 يونيو، ومواقف وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي من الإدارة الأميركية، التي رفضت الانحياز لإرادة الشعب المصري، في الوقت الذي أعلنت فيه موسكو تأييدها لخيار شعب مصر، تعود ذاكرة تاريخ الشعب لتستحضر مواقف عبد الناصر المدعومة من موسكو، لمواجهة الابتزاز الغربي ورغبته في تحرير القرار المصري من الإملاءات الأميركية.
وفد الدبلوماسية الشعبية الذي يزور موسكو، يحمل رسالة شعب مصر الى القيادة الروسية، لاستعادة الشراكة الاستراتيجية التي تقوم على اساس الاحترام المتبادل، والدفاع عن المصالح المشتركة، والتنسيق ضد الهيمنة وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة، ومكافحة كل مظاهر الإرهاب، ومصادر تمويل ودعم الجماعات الإرهابية المتطرفة ماليا وسياسيا. 
المصريون لا يريدون  الكرملين بديلا عن البيت الأبيض، بعد 30 يونيو، إنما يتحركون في اتجاه تصحيح أوضاع خرجت عن مسارها الطبيعي، وتستعيد بوصلة الشعب الاتجاه الصحيح الذي يحقق طموحاته ويستجيب لتطلعاته في إطار من السيادة والكرامة، وإدراكا بأن موسكو شريكا أصيلا في بناء مصر الحديثة، التي بدأت مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بمصانع الحديد والصلب والفوسفات، والغزل والنسيج والتسليح وبناء جيش قوي .
 إرادة الملايين من المصريين مع استعادة العلاقات مع موسكو، والارتقاء بالعلاقات الى مستوى يتناسب والقواسم المشتركة بين الشعبين، من حضارة وثقافة وعادات وتقاليد وتوجهات سياسية وتحديات في طريق التنمية، ووفد الدبلوماسية الشعبية يعتبر رمزا لهذه الإرادة المؤيدة لعالم متعدد الاقطاب لقيادة المجتمع الدولي، بعيدا عن هيمنة القطب الواحد وسيطرة الرغبات الأميركية على السياسة الدولية.

وكالة أنباء موسكو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى