الثورة
الثورة في سوريا لم تكن ثورة جياع وفقراء .. كانت ثورة حرية وكرامة .. قامت ضد نظام أمني ، يتلطى خلف العلمانية وهو متطرف باقصائه كل من يخالفه الرأي ، ولا يتوافق مع رؤيته الأحادية باختزال الحكومة والسلطة بحزب واحد ، تنصهر به
جموع الجماهير طواعية تحت اسم حزب البعث.
لكن استخدام العنف المفرط ضد المطالب المحقة التي خرج الشعب بداية يطالب بها، والتي كان يمكن لبعض من الاصلاحات سياسية واقتصادية ، ومحاكمة الفاسدين والمرتشين ، واطلاق حريات التعبير والاعلام والرأي أن ترحم هذا
البلد وتجنبه ما نحن فيه من معاناة تتفاقم يوما بعد يوم ، وتزيد حجم الدمار والكارثة الانسانية المؤلمة ، والتي أوصلت إلى تفتت مجتمعي مدمر قائم على الطائفية والمناطقية والمجتمعية .. لعب الاعلام فيها الدور الأقذر .. فتحولت الثورة الى
الفوضى والتشرذم .. والتضارب بالطروحات بين فكرين .. فكر سوري حر يطالب بدولة مدنية ، وفكر متطرف كرد فعل على عنف النظام وتطرفه يطالب بدولة دينية .. اضافة الى انفلات أمني مخيف أدى إلى تدخل قوى أجنبية غريبة وفتح البلد
كساحة حرب على مصراعيها مما أدى الى تفاقم الفوارق الطبقية والمجتمعية والأحقاد التي كانت بمجملها غير معالجة .. عززها غياب المحاسبات والقانون وفعلياً الغياب الكامل للدولة التي انشغلت بحماية جماعتها على حساب أمن الوطن وأمان
المواطن .. وتحول النظام والسلطة من مهمتها الأساسية بحل المشكلة بوعي سياسي الى طرف في صراع سلطوي لا ينتهي.
هنا أرى أننا أمام سقوط قيم وأخلاق وانسانية .. وازدواجية بمفاهيم الانتماء والمواطنة بين الموالي والمعارض وبين المناطق التي فقد النظام سيطرته عليها .. وبين المناطق التي لا تزال تحت سيطرته .. أضف إلى ذلك حالة العزل والتضييق التي
يمارسها النظام ، بمنع الناشطين المدنيين والسياسيين من نشر الفكر الوطني الجامع القائم على أن الصراع كان ويجب أن يبقى ضمن إطار الصراع السياسي المحض، بعيداً عن الأدلجة الطائفية المتطرفة، والعمل على الحفاظ على أهداف الثورة
وتأطيرها بقوالب فكرية ثقافية تمارس باعتصامات سلمية وحراك مدني على مستوى واع أخلاقياً وإنسانياً تجمع الجماهير المعترضة حول هدف الثورة الأساسي وهو (سوريا دولة مدنيةحرة ديمقراطية ) …هذا العزل تسبب بترك فراغ سياسي وفكري
يملؤه اليوم على الأرض بعض المتطرفين فكرياً.. وسياسياً.
أمام هذا الواقع اليوم .. قد نتوافق على روئيتنا لمستقبل سوريا .. ومستقبل أي دولة عربية تطمح للنهوض بشعبها وحكوماتها لترقى الى مستوى الدول المتحضرة الراقية القائمة على العدل والمساواة و أن المواطنة هي الحل.
ولكن كما أرى فهذا الحقد الكبير والتمزق المناطقي والطائفي اليوم يحتاج الى رؤيا أعمق وأشمل .. وعلاج جذري حقيقي يجتث كل هذه الأحقاد ويحقق العدالة والمساواة وذلك من خلال القانون ثم القانون والقائم على العدالة الانتقالية .. وهي من أنسب الوسائل والطرق لتحقيق العدالة في حالات النزاعات الأهلية والحرب الداخلية .. والتي تمهد الطريق لحالة من المصالحة الوطنية تؤمن تهدئة النفوس للانتقال الى مرحلة البناء الحقيقي للوطن واعادة الاعمار .. فلكي نبني وطن من تحت خط النار ومن فوق ركام الحقد والدمار، نحتاج فعلا الى البدء جدياً بنشر الوعي على أمل ألا نكون متأخرين .. أو ألا يعتبره البعض خطوة مبكرة.. حول أهمية العدالة الانتقالية ، والتي كلما أسرعنا بها كخطوة أولى على طريق إعادة الأمل لشعب، تتآكله الأحقاد، بأن العدالة والقانون ألف باء بناء المواطن والذي هو حجر الأساس لإعادة إعمار الوطن.