الحرب النفسية …. مستمرة
الحرب النفسية …يقول نابليون بونابرت عن معنى قوة الكلمة (إنني أرهب صرير القلم أكثر من دوي المدافع ) وكان إيمانه القوي في ما للكلمة من مفعول كتب في عام 1796 م يوم كان قائداً عاماً لجيشه في إيطاليا ( من المستحسن أن لا يتعرض الصحفيون لملك سردينية وأن لاينشروا عنه سخافات بعيدة عن الواقع، هناك شطحات قلّم ترتكز على إشاعات خاطئة تسيئ إلينا وتخلق لنا الأعداء من حيث لانريد … ))
وكما يقول الصهيوني ( مناحيم بيغن ) في أحد مؤلفاته ( يجب أن نعمل، ولنعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم، فيطلعوا على وسائلنا الدعائية، فإذا أستفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل، وعرفوا دعامتها وأسسها فعندئذ سوف لا تفيدنا مساعدات أمريكا، وتأييد بريطانيا وصداقة ألمانيا، عندها سنقف أمام العرب وجهاً لوجه مجردين من أفضل أسلحتنا ).
هذه مقتطفات للدلالة على قوة الكلمة في الحروب، ودورها العظيم في توجيه الرأي العام الشعبي والعالمي لمصلحة طرف دون الآخر، تتبارى بها وسائل الإعلام لكسب معركتها الاعلامية لصالح الطرف الذي يمولها وتدعمه …
ليس للحرب النفسية تعريف واضح محدد، ولكن عرف الاخصائيون الحرب النفسية بأنها :
الاستخدام الموجه لفعاليات ووسائل معينة تهدف للتأثير على آراء وسلوك مجموعة من البشر بهدف تغير نهج تفكيرهم .
وهي تشمل بمعناها الواسع استخدام علم النفس لخدمة الهدف بأساليب الدعاية، والإشاعة، والمقاطعة الاقتصادية والمناورة السياسية .. وتعتبر أقل الأسلحة كلفة إذا ما أحسن إستخدامها، ولا يقتصر استخدامها في وقت الحرب فقط بل هي عملية مستمرة ، كما لايمكن معرفة نتائجها إلا بعد أشهر، أو ربما سنين كما يرى بعض خبراء الإعلام والدعاية … إنها إستخدام مخطط من جانب دولة ، أو مجموعة من الدول ، للدعاية وغيرها من الاجراءات الإعلامية الموجهة إلى جماعات عدائية أو محايدة أو صديقة ، للتأثير على آرائها وعواطفها، ومواقفها، وسلوكها، وطريقة تسهم في تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول المستخدمة للحرب النفسية، ولقد بذل(بول لينباجر) وهو من الرواد الذين كتبوا في مجال الحرب النفسية جهوداً واضحة للوصول الى تعريف جامع شامل فقال: إنها إستخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية واقتصادية أو سياسية بما تتطلبه الدعاية ويضيف ( إنها تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية ) …
ما نواجهه اليوم في ساحاتنا العربية حرباً نفسية ضروس يمارسها الإعلام العربي بكافة أشكاله، يستخدم فيها كل أشكال الفبركة والنفاق والتأليف، يضاف إليها وسائل التواصل والاتصال المتنوعة التي تتيح للمتابع والمواطن العربي قراءة ومشاهدة وسماع تناقضات مخيفة بين أطراف النزاعات السياسية، التي تستخدم الحرب النفسية كأهم وسيلة في حربها ضد الطرف الآخر .. مما بدأ يؤثر على مصداقية الإعلام ككل والذي بدأ يتعرى من الحقيقة وبشكل فج .. وعلى نفسية المواطن العربي التائه بين صفحات ومواقع وقنوات يبحث فيها عن شيء من الحقيقة ، لينتهي به المطاف الى اضطراب نفسي وخوف على مستقبل عقله … !!
فللحرب النفسية آثار مدمرة على قيم وأخلاقيات المجتمع ككل خاصة عندما تظهر وبشكل علني ودون خجل مواراتها لطرف وأساليب تلفيقها وتدليسها، فما بالك عندما يجتمع العنف والإجرام مع هذا الشكل من الحرب النفسية والضغط الفكري الموجه ضد عقد اجتماعي ووثيقة عيش مشترك أخذت مئات السنين لتتبلور وتستقر بين مختلف مكونات المجتمع ؟؟
إننا اليوم أمام تحد أخلاقي وانساني مهم وخطير، لم يعد مجرد حلم بالتحرر والحرية .. إنما وصلنا إلى مرحلة تدمير كامل وممنهج للمجتمع لن تنتشلنا منه إلا صحوة الضمير الوطني ، ونداء إنساني عاجل ..!!!
28.10.2013