المعتقل الكبير
في المعتقل الكبير عندما لا تستطيع أن تعبر عن رأيك بحرية .. لأن رأيك لا يتوافق مع ما يريده الحاكم ..
و عندما لا تستطيع أن ترسم مستقبلك في وطنك بحرية .. لأن ما تريده لا يتناسب مع ما رسمه لك الحاكم ..
عندما لا تستطيع أن تصرخ بملئ صوتك حرية .. لأن صوتك يزعج أذني الحاكم …
عندها يتحول الوطن الى معتقل كبير .. قضبانه نظرات الازدراء والتخوين … وقيوده الخوف من سجانك ومن الآخرين ..
هذه سياسة الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية الشمولية عموماً .. حيث تعمل على إرساء حكمها وتدعيم بقائها، بتحويل الوطن الى معتقل كبير .. وذلك من خلال توجيه عناصر الأمن للإطباق على أفواه المواطنين، وتكبيل أفكار الشعب بمناهج موجهة في التربية والتعليم .. وتنشيط الشعب من خلال مراكز ممنهجة الفكر قائمة على التهليل والتصفيق .. وقولبة العقل بمصطلحات المقاومة والممانعة والصمود والتحرير ..ليتحول النظام الى نظام شمولي ..
وبالرغم من وجود بعض أمثلة النظم الشمولية قبل القرن العشرين ، الا ان هذا المفهوم ظهر فى النظرية السياسية فى القرن العشرين مع ظهور دول تتبع هذه النظام مثل الدول الشيوعية والمانيا النازية وايطاليا الفاشية..وتعممت التجربة لتشمل بلداننا العربي ..
حيث يخلط كثير من الناس بين النظام السلطوى، والنظام الشمولى، إلا أن الفرق الأساسي بينهم هو أن النظام الشمولى يتدخل فى كل تفاصيل الحياة فى المجتمع، من الأكل والشرب والملابس والتعليم والاقتصاد والانجاب والرعاية الصحية ليحاول التغلغل الى نمط الحياة وطريقة التفكير، فتكون كل حياة المواطنين خاضعة للدولة، ويكون هناك حزب واحد فقط ينتمى إليه كل المواطنين، بعكس النظام السلطوى الذي يسيطر على الحكم فقط ، ويمنع المنافسين من الاقتراب من دائرته ويترك باقى تفاصيل الحياة للاشخاص…
وتشترك النظم الشمولية كلها بـ :
-السيطرة الصارمة على الاعلام وأدواته، وتحويله الى أداة دعائية للنظام الحاكم وبث الأفكار التي تناسبه من خلال عملية غسل عقول ممنهجة …
-خضوع كل وسائل التعبير الجماهيرى السياسية، والثقافية والفنية للرقابة الصارمة للدولة ..
-إغلاق البلد ومنع الوصول لأى مصادر معلومات خارجية أو استخدام وسائل خارجية للتعبير عن الرأي ..
-تنمية روح العداء ضد أي فكر معارض باعتباره خائن ومسيء ويهدد أمن واستقرار الوطن … وبالتالي اتباع أسلوب البطش الشديد بالمعارضين وقمعهم واعتقالهم وإذلالهم، والعمل على اخفائهم إذا أمكن الأمر ومعاقبة
وملاحقة أسرهم ..
-تنمية روح الولاء الشديد للنظام الحاكم والنظر إليه نظرة أبوية كونه الأب الحنون الرؤوم ..
تكون الحكومات الشمولية غنية اقتصادياً، لسيطرتها على الوضع الاقتصادى بالكامل، وتحكمها به .. كما أنها تسخّر الاقتصاد الوطنى للتصنيع الحربى، ما يجعلها قادرة على بناء جيش قوي متماسك، يمنحها القوة والطمأنينة ..
إلا أنه وعلى المدى الطويل، تسقط هذه الحكومات بسبب عنجهيتها وغطرستها، واهمالها للحاجات الانسانية والشخصية للمواطنين، حيث يغلب حب الانسان للتعبير والحرية والانجاز الشخصي وحاجتة للخصوصية ، ورغبته الطبيعية بالنهوض وتحطيم القيود والتغيير، وهى مشاعر إنسانية لا يمكن التخلص منها وقولبتها وإهمالها .. مما يدفع الشعوب الى الانفجار فى وجه هذه النظم الشمولية .. وتحطيم قيود المعتقل الكبير .. ليتحرر الشعب من نير الاستعباد والانقياد .. ويحرر الوطن من قيد الخوف وقضبان الذل، ليعود الوطن .. وطناً.