بين قوسينكتاب الموقع

لم يرحل ……!!!

لم يرحل ……!!! نظرت اليه .. فشعرت بقشعريرة تسري في عروقي .. حاولت أن أمسكه فلم أستطع .. جفلت .. وعاد إلي شريط الذكريات ..

تذكرته ممسكاً بيدي يجول بي في حارات دمشق القديمة .. ضحكاته تملؤ الحارة وسلاماته لا تتوقف .. نظراته حنونة بشكل مفرط .. وكلماته حارة .. كان كتلة من المشاعر والأحاسيس المتحركة ..

كلماته موجودة في هذا الكتاب الذي يحمل صورته .. قصص .. روايات .. ناس جسد شخصياتهم .. تنزه معهم .. عاش بينهم .. كتب تتكلم عن ناس .. عن تاريخ .. عن حيوات .. للكتاب قيمة كبيرة عندما تعرف كاتبه ..
منذ أربع سنوات لم أتجرأ على فتحه وقراءته… ففي كل مرة كنت أحاول .. تسبقني دموعي وعبق الذكريات .. إنه أبي الذي أكتب اليوم مكنية باسمه لأحافظ على اسمه حياً… نابضاً بالحياة … وبالفكر .. والكلمة ..
فالكلمة هي التي تبقى من ذكرى أي انسان .. والكتاب هو الذي يخلد اسمه  ..

كثيرون مروا على هذه الحياة، وقليلون من بقيت أسماؤهم وأعمالهم وكتاباتهم في الذاكرة ..
كما الفن .. الرسم .. البناء .. الفكر  .. كما الحرب .. الدمار .. الموت ..
أعمال تخلد مبدعيها وتلعن مفتعليها .. كذلك الكلمة .. تخلد قائليها ..
كثيرة هي الكلمات والأفكار والعبارات التي ساهمت في بناء الشعوب .. وتغييرها .. ورسم ملامح مستقبلها.
قليلون هم الأشخاص الذين ندرس فكرهم وكتاباتهم التي أغنت البشرية ، وساهمت في صنع الحضارة الانسانية وتطويرها .
فالكلمة تبني جيل .. كما تشعل حرب ..
والكلمة تمنح حياة .. كما تعلن موت ..
فأول أية في القرآن الكريم هي (اقرأ )
وأول كلمة في الانجيل المقدس هي ( في البدء كانت الكلمة ..)
كتاب .. أدباء .. فلاسفة .. وشعراء، نذكرهم اليوم بسبب كلماتهم المهمة ، وندرسها لأبنائنا لتكون ركيزتنا في بناء وطن.
عدت إلى الكتاب الموجود أمامي على الطاولة ، شعرت بالفخر أن والدي لم يرحل .. فهو حي بيننا بكلماته ، شعرت بالفخر لأن أولادي سيتعرفون على جدهم وعلى تاريخه من كتاباته وكلماته ..
شعرت بالاعتزاز لأني سأكمل مسيرة الكلمة  .. فتحت الكتاب أمامي وبدأت أقرأ .. !!
فلن يبقى من ذكرى أي إنسان إلا مجرد كلمات وأفعال .. كلمات قالها أو كتبها فخلدته .. وأفعال قام بها فجعلته خالداً.
لذلك فلننتبه لكلماتنا … لتبقى ذكرانا … طيبة .. فكل من قال كلمة حق .. وحب .. وحياة .. لم ولن يرحل ..

 

11.11.2013

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى