بِدايةٌ مُرتَبِكةٌ للِقاء سوتشي لكن إجهاض مُحاولة “التَّخريب” الأمريكيّة لم يَستغرقْ أكثر من ساعتين

لم تَكُن بِداية طيّبة لمُؤتمر سوتشي للحِوار بين مُمثِّلي الشَّعب السوري الذي بَدأ أعماله بَعد تأخّر ما يَقرُب من السَّاعتين ونِصف السّاعة، نَظرًا لاحتجاج وَفد المُعارضة المُسلّحة القريبة من تركيا على العلمْ السّوري بنَجمتين خَضراويين تتوسّطان اللونين الأحمر والأسود، ولكن انعقاده في حُضور 1600 عًضو، إلى جانب مُمثّلي الحُكومة السوريّة، والدُّول الثَّلاث الراعية (روسيا وإيران وتركيا) يُمثّل خُطوةً ناجِحة على طَريق مَنظومةٍ بَديلة لمُفاوضات جنيف التي اصْطدمت بحائِط الفَشل بَعد ثماني جَولات عَقيمة، مِثلما جاءَ في البَيان الخِتامي.

تشكيل لجان رئاسيّة ودستوريّة تنبثق عن المُؤتمر وتضم مُمثلّين عن السُّلطة والمُعارضة، مِثلما جاء في البَيان الخِتامي، لإدخال تعديلاتٍ دستوريّة، وتَشكيل جيش، ومُؤسّسات أمنيّة تَخضع لسِيادة القانون، أمر مُهم دون أدنى شك، لكن الأهم في نَظرنا هو جَمع هذا العَدد الضَّخم من السّوريين من الدّاخل والخارج، من السُّلطة والمُعارضة، تحت سقف واحد لأوّل مرّة مُنذ سَبع سنوات.

الإنجاز الأبرز للمُؤتمر، في تَقديرنا حتى الآن، هو كَسر الحاجِز النَّفسي المُتمثّل في جُلوس السوريين إلى جانب بعضهم البعض يتصافحون، ويتبادلون الآراء حول حاضِر بِلادهم ومُستقبلها، صحيح أن أجواء الحَذر كانت هي المُسيطرة على اليَوْمْ الأول، مِثلما قال أحد المُشاركين لهذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم”، ولكن هذا الحَذر مُتوقّع في ظِل حالة الجَفاء، وعُمق الهُوّة في المواقِف تُجاه الصِّراع، وأسبابه، والتدخّلات الخارجيّة المُتعدّدة، مُضافًا إلى ذلك وجود “العَسس″، كتّيبة التقارير، الذين كانوا يتواجدون في الأروقة والقاعات ويَرصُدون كل صَغيرةٍ وكَبيرة.

الولايات المتحدة الأمريكيّة وحُلفاؤها الذين يُعانون من التّهميش المُتسارع على أرضيّة الأزمة السوريّة، بفِعل النّجاح العَسكري لروسيا وحُلفائها في مَيادين القِتال، لم يريدون انعقاد هذا المُؤتمر في سوتشي، ناهِيك عن نَجاحِه، ولذلك حاولوا إجهاضه، وخَلق حالةٍ من الارتباك في صُفوف المُشاركين والرُّعاة، ويتّضح ذلك من خِلال أزمتين، الأولى رَفض ستيفان دي ميستورا، مُمثّل الأُمم المتحدة المُشاركة وإلقاء الكلمة الثانية بعد خِطاب سيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الروسي، الافتتاحيّة، والإيعاز لمُمثّلي المُعارضة المُوالية لتركيا بالانسحاب وعَدم المُشاركة، على غِرار الهيئة العُليا للمُفاوضات المَدعومة سُعوديًّا.

بات واضِحًا الآن أن احتكار الهيئة العُليا للمُفاوضات لتَمثيل المُعارضة حَصريًّا قد “تَضعضَع″، إن لم يَكن قد تآكل، وبُروز جِسم سوري أوسَع من الدَّاخِل والخارج، وكان لافِتًا دَعوة شخصيّات مثل هيثم مناع وقدري جميل، وأحمد الجربا، وميس كريدي، ورندا قسيس، للجُلوس على المِنصّة الرئيسيّة أثناء جَلسة الافتتاح، ممّا يُوحي أن هذهِ المَجموعة، قد تَكون نُواة المَجلس الرئاسي لمَنظومة سوتشي، والمُمثّل الجديد المُعتمد للمُعارضة السوريّة التي من المُفترض أن تتفاوض مع الحُكومة في دِمشق، وتَحظى بدَعم الدُّول الثّلاث الراعية، وهي إيران، وتركيا وروسيا، واحتمال إضافة أسماء جَديدة غير مُستبعد في الجَولات المُقبلة.

السُّؤال الذي يَطرح نفسه الآن هو حَول الخُطوة التالية لهذا المُؤتمر، بمَعنى هل سيَتحوّل إلى مَنظومة دائِمة تَنعقد بشَكلٍ دَوري ولها قِيادة وإطارات عَمل، أم سيكون دَورة انعقاد يتيمة تُصدِر توصيات إلى مَنظومة جنيف المُنبَثِقة عن الأُمم المتحدة ويَنتهي دَورها بعد ذلك؟
لا نعتقد أن روسيا، ورغم الصُّعوبات، تُريد انعقاد جَلسة “يتيمة”، وإنّما مَنظومة مُفاوضات مُتكامِلة وِفق خارِطة طَريق سياسيّة واضِحة المَعالم تُؤدّي إلى دستور، وانتخابات رئاسيّة وبَرلمانيّة تُحدّد هَويّة “سورية الجَديدة”.

القِيادة الروسيّة تُدرك جيّدًا أن انتصارها العَسكري لا يُمكن أن يَكتمل دون تَسوية سياسيّة تُشارك في صِياغة عَناصرها الرئيسيّة مُختلف أطياف اللَّون السّوري الدّيني والمَذهبي والعِرقي والمُؤسّساتي.

أمريكا نَجحت في سَحبْ مُمثّليها الأكراد والمُعارضة “العربيّة” المُسلّحة في مُحاولةٍ لتَخريب خريطة الطُّموحات الروسيّة، وفي اللّحظة الأخيرة، ولكن وجود تركيا تحت مِظلّة سوتشي، وحاجتها للحَليف الروسي في ظِل اتّساع هوّة الخِلاف بينها والولايات المتحدة بسبب الدَّعم السِّياسي والعَسكري لقِيام كيانٍ كُرديّ في شَمال سورية، ربّما يَدفعها لإقناع الفَصائل المُوالية لها بالمُشاركة، إن لم يَكن في هذهِ الجَولة، ففي الثانية القادِمة.

الخِلاف حول العَلم السوري وألوانِه ليس جَوهريًّا، وإنّما ذَريعة للانسحاب في اللَّحظة الأخيرة، لأن الدَّعوات التي جَرى إرسالها للشَّخصيات والوفود المُشاركة كانت تَحمِل هذا الشِّعار، ولم يَعترض أحد، أو كان في وِسع مُعظم المُعترضين أن لا يستقل الطائرة إلى مطار سوتشي، ولكنّها التّعليمات، والقِوى المُنخرطة في الصِّراع على سورية حاضِرًا ومُستقبلاً.

لم يَكُن المَشهد السُّوري ورديًّا مُنذ بِداية الأزمة، وكانَ حافِلاً بالمُفاجآت والمُتغيّرات والخِلافات، ولا نَعتقد أن مُؤتمر سوتشي سيكون استثناء، فالطَّريق إلى الاستقرار والحَلْ السِّياسي والمُصالحة الوطنيّة، وإعادة الإعمار ما زالَ وَعِرًا ومَليئًا بالمَصاعِب.

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى