اقتصاد

تأجيل من النقد الدولي يُعمق اضطراب المالية التونسية

أثار قرار صندوق النقد الدولي تأجيل اجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج قروض لتونس كان من المقرر عقده في 19 ديسمبر/كانون الأول خيبة أمل ومخاوف من التداعيات خاصة لدى الحكومة والفاعلين الاقتصاديين نظرا لحاجة البلاد التي تمر بضائقة مالية للحصول على دعم مالي عاجل لمواجهة الكثير من الاستحقاقات.

وقال مسؤول حكومي الأربعاء ان قرار التأجيل جاء لمنح السلطات مزيدا من الوقت للانتهاء من برنامج الإصلاحات بينما يرى مراقبون ان الخلافات بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل ( ابرز منظمة عمالية في تونس) من اسباب قرار الصندوق.

وأضاف أن تونس تعتزم إعادة تقديم ملف برنامج الإصلاحات لدى استئناف اجتماعات صندوق النقد الدولي في يناير/كانون الثاني 2023.

وسحب الصندوق الأربعاء اجتماع مناقشة برنامج تونس من جدول أعماله، وهي خطوة على الأرجح مرتبطة بأن ميزانية 2023، التي ستتضمن الاصلاحات المتوقعة، ليست جاهزة بعد.

وقالت متحدثة باسم صندوق النقد الدولي إن التأجيل يمنح تونس وقتا لاستكمال العمل المطلوب قبل الموافقة على برنامج الصندوق.

وأضافت “تم تأجيل مناقشات المكتب التنفيذي بخصوص طلب تونس لترتيب بموجب تسهيل الصندوق الممدد لإتاحة المزيد من الوقت للسلطات لاستكمال شروط البرنامج. يشمل هذا مناقشات بخصوص موعد جديد للمجلس”.

ويفاقم تأجيل صندوق النقد الدولي جلسة لمجلس إدارته حول برنامج تمويل متاعب الدولة المالية ويثير قلقا قبل مناقشة موازنة العام 2023 فيما يقترب العام من نهايته بلا برلمان في انتظار انتخاب مجلس نواب جديد تبدو ملامحه غامضة.

وتظل مسألة الموازنة غامضة ومربكة في ظل غياب مجلس نواب لمناقشة الميزانية ووجود مجلس جديد بعد الانتخابات يطرح ايضا اشكاليات اهمها شكل البرلمان واللجان ومنها لجنة المالية وتركيبتها وسيحتاج وقتا ليكون مستقرا فيما يتوقع ان الحكومة ممثلة في وزارة المالية هي من ستعمل على اصدار الميزانية.

وكانت تونس توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات العامة.

وقوبل الاتفاق المبدئي بكثير من التفاؤل كونه سيعيد ثقة المؤسسات المالية والشركات في الاقتصاد التونسي الذي عرف هزات عديدة خاصة وان وكالة التصنيف الائتماني “فيتش رايتنغ” حسنت في اخر تقرير لها ترقيم تونس السيادي بافاق ايجابية.

وتونس في حاجة ماسة إلى المساعدة الدولية منذ شهور في الوقت الذي تكافح فيه أزمة في المالية العامة أثارت مخاوف من احتمال تخلفها عن سداد الديون وأسهمت في نقص عديد السلع الغذائية.

ويرى خبراء أن القرض من الصندوق في حال إقراره بشكل نهائي سيمكن تونس من تمويل الدائنين الرسميين ودعم ضبط أوضاع المالية العمومية.

وكان الصندوق اشترط موافقة الفاعلين الاجتماعيين وفي مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل على برنامج الإصلاحات الحكومية لكن يبدو ان الخلافات الحادة بين حكومة نجلاء بودن والمنظمة العمالية الأبرز في تونس ستكون لها تداعيات سلبية بشان حصول البلاد على الدعم المالي المطلوب.

ويتهم الاتحاد السلطات التونسية بالتناقض حيث أكد امينه العام نورالدين الطبوبي بان الحكومة تتبنى سياسات لرفع الدعم فيما يؤكد الرئيس قيس سعيد بقاء الدعم ورفض بيع المؤسسات العمومية والتزام الدولة بمسؤولياتها الاجتماعية.

وتصاعدت الخلافات بين الاتحاد والحكومة بنحو جعل الطبوبي يهدد باتخاذ إجراءات من بينها تنظيم إضرابات وهو ما مثل رسالة سلبية للصندوق الذي يعول على الاستقرار السياسي والاجتماعي.

وأفاد الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان في تصريح لإذاعة “جوهرة” الخاصة الخميس أن الخطاب غير الموحد بين الرئيس ورئيسة الحكومة والاتحاد من بين أبرز الأسباب وراء سحب صندوق النقد ملف تونس”.

وأكد أن الحكومة قدمت لصندوق النقد الدولي مشروع قانون مالية 2023 غير موقّع عليه من طرف الرئيس مشيرا إلى أن الحكومة لم تتمكن من تعبئة الموارد الكافية لإنجاح برنامجها بالتوازي مع تمويل صندوق النقد الدولي وبالتالي مدى قدرتها على تنفيذ الإصلاحات التي قدمتها للصندوق.

وأشار سعيدان في السابق ان صندوق النقد اشترط توقيع الرئيس وليس رئيسة الحكومة على برنامج الإصلاحات في سابقة عالمية أشارت الى غياب ثقة المؤسسات الدولية في التزام تونس.

والاتفاق على مستوى الخبراء هو لحزمة مدتها 48 شهرا من خلال مرفق الصندوق الموسع للتمويل لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والمساواة الضريبية وإدخال الإصلاحات التي من شأنها تعزيز النمو وخلق فرص العمل.

وتعرض الاقتصاد التونسي بالفعل لضربة شديدة منذ سنوات، إذ أضر عدم اليقين السياسي وهجمات المتشددين بقطاع السياحة المهم حتى قبل التحديات الجديدة من جائحة كوفيد-19 وارتفاع أسعار السلع العالمية جراء حرب أوكرانيا.

وقالت مصادر مالية إنه من المتوقع على نطاق واسع أن تشمل ميزانية العام المقبل إجراءات تقشفية وزيادة الضرائب على المهن مثل المحامين والمحاسبين.

وأمام هذه المعضلة يسعى الرئيس التونسي المتواجد في الولايات المتحدة لحضور القمة الأميركية-الافريقية للحصول على دعم مالي واقتصادي أميركي خاصة مع الحديث عن تحسن في العلاقات بعد فترة من الأزمة.

وسيسعى سعيد لإقناع الولايات المتحدة وهي عضو في مجلس إدارة صندوق النقد لدعم تونس في ظل أزمتها المالية رغم الضغوط التي تسلطها الوللايات المتحدة فيما يتعلق بملفات الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات.

وأكد وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن خلال لقائه سعيد في واشنطن على دعم بلاده للاقتصاد التونسي وسط الأزمة الاقتصادية الحالية التي تفاقمت بسبب العدوان الروسي على أوكرانيا”.

ولم يفوت بلينكن الفرصة للحديث عن الديمقراطية في تونس وفق بيان لوزارة الخارجية الاميركية مجددا “التزام الولايات المتحدة العميق بالديمقراطية التونسية ودعم تطلعات الشعب التونسي إلى مستقبل ديمقراطي مزدهر”.

 

ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى