تأكيد أميركي لضرب صواريخ «إس 125» رسائل إسرائيل من «غارة اللاذقية» (حلمي موسى)
حلمي موسى
في لحظة سياسية شديدة الدقة، على الصعيد السوري الداخلي، والاجواء الاقليمية القائمة، وتحرك «عجلة جنيف» وبوجود المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي في دمشق، اختارت اسرائيل تنفيذ غارتها الجوية قرب اللاذقية، بحسب تأكيد مصادر اميركية واسرائيلية، في رسالة لها ابعادها السياسية والامنية المتعددة.
وكانت الانباء تضاربت بداية حول غارة اسرائيلية جديدة على مواقع صواريخ سورية في منطقة اللاذقية، إلى أن أكدها مصدر في الإدارة الأميركية لشبكة التلفزة «سي إن إن»، بعد التقرير الذي كانت «القناة الثانية» في التلفزيون الاسرائيلي قد قدمته.
وبالاضافة الى الرسالة «اللبنانية» الصريحة التي تحملها الغارة الاسرائيلية من خلال الاشارة الى استهدافها صواريخ تتحسب اسرائيل من احتمال وصولها الى «حزب الله»، فان حسابات اسرائيل السورية لا تقل خطورة. فإلى جانب الحرص على استغلال اجواء التقدم السياسي نحو التسوية السورية، والرهان على امتناع السوريين عن الرد في ظروف اقليمية كهذه، فان الغارة ربما تستهدف احراج القيادة السورية التي كانت اوحت قبل شهور، ان القيادات العسكرية السورية تحظى بضوء اخضر للتصدي فورا لاي انتهاك اسرائيلي للسيادة السورية.
وبهذا المعنى، فان الغارة الاسرائيلية تصب في مصلحة تعزيز قوى المعارضة السورية على اختلافها، والاطراف الاقليمية التي ما زالت تؤمن بالرهان على التغيير السوري من خلال الوضع الميداني، في الوقت الذي تتسارع فيه عجلة مسيرة جنيف، اميركيا وروسيا، وتفرض اسرائيل من خلالها معادلة حق الاعتداء على الجوار كلما سنحت لها الفرصة لذلك، اقلها ما رأت في ذلك ما يبدد المخاطر الامنية المحتملة ضدها.
وصدر أول الأنباء عن هذه الغارة من جهات معارضة سورية أشارت إلى أن الصواريخ جاءت من البحر، واستهدفت مخازن صواريخ «ياخونت» أرض ــ بحر، بينما التزمت إسرائيل الرسمية الصمت. فقط القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي ذهبت خطوة إضافية، وتحدثت عن أن المواقع المستهدفة هي لصواريخ مضادة للطائرات متطورة من طراز «إس 125». وكانت أنباء لبنانية قد أشارت إلى اختراق ست طائرات حربية الأجواء اللبنانية قرب الحدود البحرية مع سوريا.
وفي وقت لاحق من مساء أمس، أكد مصدر في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، رفض الكشف عن اسمه، لشبكة «سي إن إن» الغارة الجوية الإسرائيلية على اللاذقية، مشيراً إلى أنه تم استهداف صواريخ ومعدات تخشى إسرائيل من أن تصل إلى «حزب الله».
أما وكالة «أسوشييتد برس» فنقلت عن مسؤولين أن الغارة الإسرائيلية استهدفت شحنة صواريخ روسية. وبعدما أشارت الوكالة إلى تأكيدات مسؤول في إدارة أوباما، أفادت نقلاً عن مسؤول أمني آخر أن الغارة استهدفت صواريخ «إس 125» الروسية الصنع.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول إسرائيلي، رفض الكشف عن اسمه، قوله إنه يعتقد أن إسرائيل شنت الغارة، إلا انه ليس متأكداً بشكل كامل.
وأشارت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إلى أنه بعد ساعات قليلة من صدور أنباء عن تعرض موقع صواريخ سوري لغارة جوية قرب مدينة اللاذقية، ظهرت تفاصيل أولية بشأن المواقع المستهدفة. ويكشف تحليل للمنطقة المستهدفة قرب قرية الصنوبرة أن الموقع، الذي أغارت عليه الطائرات الإسرائيلية، هو لمنظومة صواريخ متطورة من طراز «إس 125» روسية الصنع. وأفادت القناة بأن إسرائيل ترفض التعليق على أنباء الغارة. ونقلت عن شهود عيان قولهم إن دوي الانفجارات سمع من المواقع المستهدفة ليلة أمس الأول في حوالي العاشرة والنصف ليلاً. وترددت أنباء أن ست طائرات إسرائيلية شوهدت في المنطقة وواصلت طريقها شمالاً باتجاه تركيا.
وأشارت القناة الإسرائيلية إلى أن تحليل الصور الفضائية للموقع المستهدف يظهر بطاريات الدفاع الجوي السورية من طراز «إس 125 نايفا». كما تظهر الصور وجود بطاريات صواريخ «سام 3» بما في ذلك مركز إدارة نيران يحوي راداراً يتابع الأهداف، وهوائيات تبث إشارات قيادة ومتابعة للصاروخ. وتوجد حول مركز إدارة النيران راجمات الصواريخ، وتحمل كل منها أربعة صواريخ. ويبلغ مدى الصاروخ المطور من طراز «إس 125» حوالي 35 كيلومتراً، وهو يملك رأساً حربياً يزن 70 كيلوغراماً.
وتعتبر منظومة «إس 125 باتشورا 2» منظومة صواريخ أرض – جو ثابتة ومزدوجة المراحل لارتفاع ومدى متوسط. وهي منظومة طورت في العام 2000 عن صاروخ «إس إي 3» (SA-3) القديم نسبياً. وهذه النسخة هي محصلة تطوير المنظومات القائمة في روسيا، والتي غدت قديمة وأخرجت من الخدمة. وهذه المنظومة ذات مدى أبعد، ولديها قدرة للتعامل مع أهداف متعددة وهي أشد فتكاً. كذلك، فإن راجمتها يمكن حملها على شاحنة، الأمر الذي يحسن قدرتها على الحركة.
وأياً يكن الحال، فإن أياً من الجانبين الإسرائيلي والسوري لم يعلن رسمياً عن وقوع غارة كهذه. ويرى معلقون إسرائيليون أن سياسة الغموض في هذا الشأن تخدم الطرفين، لأن سوريا لا تعترف بأنها تعرضت لضربات، بينما إسرائيل لا تتوقع ردود فعل عسكرية على ضربات لا يعلن عنها. وقد صدر أول التقارير عن الغارة عن موقع «دامبرس»، الذي نقل عن شهود عيان نبأ الغارة. كما أن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» نشر نبأ عن انفجار في أحد مواقع الدفاع الجوي في منطقة الصنوبرة الواقعة جنوبي اللاذقية.
وقد تكررت في الأشهر الأخيرة الأنباء وبعضها غير مؤكد أو لا أساس له عن تنفيذ إسرائيل غارات ضد مواقع سورية بدعوى احتوائها على شحنات سلاح متطور معدة لإرسالها إلى «حزب الله». وأشيع مراراً أن هذه الأسلحة تتضمن إما صواريخ «ياخونت» أو صواريخ «سام 8» المتحركة. ويعتبر صاروخ «ياخونت» على وجه الخصوص السلاح الذي يقض مضجع إسرائيل بسبب مداه الفتاك والبالغ 300 كيلومتر، ودقته واحتمال استخدامه من لبنان لضرب حقول انتاج الغاز في عرض البحر المتوسط، الأمر الذي يشل صناعة الكهرباء الإسرائيلية ويمنع أي سفينة حربية أو مدنية من الإبحار مقابل سوريا ولبنان.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تقنية صاروخ «ياخونت» تحول دون إسرائيل وإمكان التشويش عليه برغم التقنيات العالية التي تمتلكها. ومعروف أن «ياخونت» يحلق على ارتفاع خمسة إلى 15 متراً فقط من سطح البحر في الـ15 كيلومتراً الأخيرة قبل الوصول إلى الهدف، ما يحول دون اكتشافه رادارياً.
ومن جهتها، أذاعت قناة «العربية» أن سلاح الجو الإسرائيلي أغار مرتين أمس على مواقع في سوريا، وأن الغاية كانت تدمير منظومات صواريخ «سام 8». وذكرت القناة أن الغارة لم تقتصر على منطقة اللاذقية فقط، وإنما وقعت أيضاً قرب العاصمة دمشق، وأن منظومات الصواريخ هذه كانت معدة لإرسالها إلى «حزب الله».
وأشار المعلق العسكري لموقع «يديعوت» (يانت) رون بن يشاي إلى أن سوريا تحاول في الآونة الأخيرة إرسال صواريخ أرض ــ جو إلى «حزب الله» بعدما تدرب رجاله عليها في معسكر الدفاع الجوي السوري قرب دمشق. وأشار إلى أن محاولات سابقة لإرسال مثل هذه المنظومات إلى «حزب الله» قد نجحت، وأن هذه الصواريخ موجودة في لبنان.
ومعروف أن صاروخ «سام 8» قديم وموجود لدى الجيش السوري منذ ثمانينيات القرن الماضي، وسبق لأحد الصواريخ أن أسقط في العام 1982 طائرة «فانتوم» إسرائيلية فوق لبنان. ويتميز هذا الصاروخ بخفة حركته وسهوله انتقاله على عربة مزودة أيضاً برادار اكتشاف ورادار توجيه نحو الهدف.