تأييد شعبي جارف للمقاومة الناشئة | فلسطين عشيّة «شرم الشيخ»: الاشتباك خياراً وحيداً
تنعقد، غداً الأحد، قمّة شرم الشيخ المُكمّلة لقمة العقبة، وسط اكتفاء أميركي بضغط كلامي صُوري على إسرائيل على خلفيّة جرائمها المتواصلة والمتصاعدة في الأراضي المحتلّة، وفي المقابل ضغط عملياتي حثيث على السلطة الفلسطينية التي تُبدي كلّ قابلية للانصياع للمخطّط الأميركي القائم على تفكيك حالة المقاومة في الضفة الغربية. على أن ما تسعى إليه واشنطن، والذي تبدو تل أبيب بطاقمها اليميني الفاشيّ غير مستعدّة لأدنى تجاوُب معه، يَظهر منفصماً تماماً عمّا يدور في الشارع الفلسطيني، الذي على رغم تعاظُم كلفته مساندته للمجموعات المسلّحة الناشئة، يزداد إصراراً على التمسّك بها، فيما هذه الأخيرة تظلّ قابلة للتوالد والنموّ، وإنْ احتاج أداؤها إلى نوع من المراجعة والتقويم، حتى لا يبقى عناصرها «فريسة» يَسهل النيل منها بالنسبة للعدو
تتوجّه دولة الاحتلال إلى اجتماع شرم الشيخ يوم الأحد، والدم الفلسطيني يَقطر من بين أنيابها، في أعقاب جريمة جنين التي ارتكبتْها عصر الخميس وأدّت إلى استشهاد 4 فلسطينيين، وكأنها تريد القول إن الإرهاب الفاشي توطئة ضرورية لأيّ لقاء مع الفلسطينيين. في المقابل، وعلى رغم اتّهامها إسرائيل بالسعي إلى تفجير الأوضاع الميدانية خلافاً لكلّ الجهود الدولية الساعية لمنع التصعيد في شهر رمضان، تذهب السلطة الفلسطينية إلى الاجتماع الجديد لتُصافح الأيدي التي لم يجفّ عنها دم شهداء جنين بعد، مجتَرّةً، كما في كلّ مرّة، تشكّيها للإدارة الأميركية من أن تل أبيب لا تزال تحظى بالدعم والرعاية، ومطالبتها إيّاه بالضغط على الأخيرة وعدم الاكتفاء بتأنيب الجانب الفلسطيني، مُتجاهِلة اتّخاذ أيّ موقف ممانع ولو رمزياً. وتتطلّع السلطة، من خلال مشاركتها في قمّة شرم الشيخ، التي تأتي استكمالاً لقمّة العقبة ولقاءات ثنائية انعقدت بين الفلسطينيين أو الإسرائيليين من جهة وبين الأميركيين والمصريين والأردنيين من جهة أخرى، إلى إعادة الاعتبار لدورها، وكسْب الرضى الأميركي، وهو ما تسعى إليه أيضاً من خلال خطوات عمليّاتية على الأرض يُتوقّع أن تتوسّع بعد لقاء الأحد، سواءً عبر ملاحقة المقاومين وحواضنهم، أو عبر تعزيز «التنسيق الأمني» مع دولة الاحتلال.
وإذ يبدو أكيداً أن هذا التوجّه سيفرض تحدّيات كبرى جديدة على المقاومة، فإن الأخيرة ستجد نفسها أمام مهمّة إفشال المخطّط الأميركي، وتكريس حالة الاشتباك المتصاعدة في الضفة الغربية المحتلّة منذ عام، علماً أنها نجحت خلال الأشهر الماضية، سواءً من خلال العمليات الفدائية في الضفة أو القدس أو الداخل أو عبر التحرّك المدروس من قطاع غزة، في الردّ على جميع الجرائم التي ارتكبها العدو. وبالمِثل، فقد توعّدت فصائل المقاومة (حماس، الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية، حركة المجاهدين)، في أعقاب مجزرة جنين الأخيرة، العدو بتدفيعه الثمن، الذي قد يكون، هذه المرّة، الشرارة لانفجار برميل البارود الذي تجلس عليه الأراضي الفلسطينية. ويتنامى الشعور لدى الفلسطينيين بأن الفصائل أعدّت سيناريوات المواجهة مع الاحتلال، أو ربّما نجحت خلال الفترة الماضية في بناء العديد من الخلايا النائمة بهدف تفعيلها في الأوقات المناسبة وتحديداً للردّ على المجازر. ولعلّ بيان نائب قائد الجناح العسكري لحركة «حماس»، مروان عيسى، يوم الأربعاء، رسم معالم واضحةً للمرحلة المقبلة في هذا السياق، سواءً لناحية انتهاء المشروع الذي قامت عليه السلطة، أو ما تنْويه المقاومة في التعامل مع الأوضاع القائمة في الضفة.
وتستند المقاومة، في ذلك، إلى تحوّلات بائنة في الشارع الفلسطيني، حيث يُظهر استطلاع للرأي نُشر قبل يومَين، أن 63% يؤيّدون وقْف «التنسيق الأمني»، فيما الغالبية العظمى (79%) تعتقد أن السلطة الفلسطينية لم توقف هذا «التنسيق». أيضاً، أعرب 77% عن عدم رضاهم عن أداء رئيس السلطة، محمود عباس، وأيّدوا استقالته، في حين رفض 73% في الضفة وغزة لقاء العقبة. وإذ زكّى 71% في القطاع، و66% في الضفة، تشكيل مجموعات مسلّحة مِن مِثل «عرين الأسود» لا تخضع لأوامر السلطة، وليست جزءاً من قوى الأمن الرسمية، فقد عارض 83% قيام أفراد هذه المجموعات بتسليم أنفسهم وأسلحتهم لحمايتهم من الاغتيالات الإسرائيلية، ورأى 87% أنه لا يحق لرام الله اعتقال هؤلاء لمنعهم من تنفيذ أعمال مسلّحة ضدّ إسرائيل أو لتوفير الحماية لهم. وتَوقّع 58% أن تمتدّ المجموعات الناشئة إلى مناطق أخرى في الضفة، كما تَوقّع 61% تصعيداً في الأوضاع الأمنية، إلى درجة اندلاع انتفاضة ثالثة مسلّحة.
وبينما يَفصل الفلسطينيين أسبوعٌ واحد عن شهر رمضان، الذي يستقبلونه بحصيلة شهداء بلغت منذ مطلع العام فقط، 88 شهيداً، 35 منهم من محافظة جنين، و21 من محافظة نابلس، يبدو مرجَّحاً اشتعال الأوضاع بدرجة أكبر خلال هذا الشهر، وفق ما تُظهره مؤشّرات عدّة. وتأتي على رأس تلك المؤشّرات، رغبة حكومة الاحتلال في تصدير أزمتها الداخلية في ظلّ استمرار الاحتجاجات ضدّها، وهو ما أنبأ به تصعيدها جرائم القتل والإعدامات في الضفة، فضلاً عن التضخيم الذي رافق ما كشفتْه المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية من تفاصيل حول عملية مجدو، والضخّ الإعلامي والسياسي الموازي في اتّجاه ضرورة الرد المباشر عليها في لبنان، وتحديداً ضدّ «حزب الله»، الذي تشير بعض التقديرات إلى مسؤوليته وحركة «حماس» في لبنان عن العملية. وإذا أضيفَ إلى ما تَقدّم، توعُّد وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بإغلاق المسجد الأقصى في شهر رمضان لمدّة عشرة أيام، وكذلك السماح للمستوطِنين بتنفيذ اقتحامات للمسجد في خلاله، يكتمل مشهد العوامل المعزِّزة لاحتمال التفجير. على أن الاحتمال المُشار إليه، إذا ما تَحقّق، لن يكون مقصوراً على ساحة واحدة وفق ما يَحتمله العدو، بل سيشمل الضفة والقدس والداخل وقطاع غزة، وحتى بعض الساحات الخارجية التي قد تكون طرفاً في المواجهة.
وفي هذا الإطار، رأت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، الجمعة، أن «تحرّكات التنظيمات الفلسطينية، والأخرى الناشطة في المنطقة مِن مِثل حزب الله، تشير إلى رغبة واضحة في الربط بين ساحات الصراع المختلفة، وهو أمر بات مقلقاً بشكل واضح»، مشيراً إلى أن «تلك التنظيمات متفاهِمة على أن هناك حالياً فرصة واعدة لزعزعة إسرائيل المنغمسة في أزمة سياسية ودستورية تُمزّقها من الداخل إلى قسمَين». وعلى رغم استبعاد الصحيفة اندلاع حرب مع «حزب الله» على خلفية عملية مجدو، فهي لفتت إلى أن القلق الرئيس الذي يسود أوساط المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، يتعلّق بتجمّع كلّ هذه الغيوم في الساحات المختلفة معاً، فيما «المعضلة الرئيسة حالياً هي كشْف الصلة بين الهجوم ونشطاء من لبنان، وأين وكيف سيكون الردّ؟». وذكّرت بأن «معظم الحكومات، خاصة التي كان يتزعّمها بنيامين نتنياهو، كانت تتّخذ موقفاً حذراً من الردّ على مِثل هذه الاستفزازات، ولكن حزب الله استغلّ امتناع إسرائيل عن القيام بعمليات هجومية ضدّه في الأراضي اللبنانية لإنشاء نظام إنتاج أسلحة، وقام بتوسيع نظام الدفاع الجوّي، بفضل تهريب أنظمة متطوّرة من إيران، وفي ظلّ هذه الظروف تمّ تقليص حرية عمل القوّات الجوّية في لبنان».
مع ذلك، لا تزال الأوساط الأمنية الإسرائيلية تَعتبر الضفة الغربية مصدر التصعيد الرئيس حالياً، نظراً إلى تزايُد المخاوف الأمنية من وقوع هجمات خطيرة فيها في الفترة المقبلة. وبحسب «هآرتس»، فإن كبار المسؤولين الأمنيين حذّروا من سلسلة عمليات في المدى القريب لا سيما في الضفة، مشيرين إلى أن وضْع القيادة الفلسطينية، وتزايد العمليات سواءً من الفلسطينيين أو المستوطِنين، إلى جانب سلوك وزراء حكومة بنيامين نتنياهو، كلّها عوامل تؤجّج الموقف. وتحتمل المؤسّسة الأمنية، بحسب الصحيفة، تضاعُف الإنذارات بشأن الهجمات قبل شهر رمضان وخلاله، معتبرةً أن معالجة الحكومة للأحداث لا تساهم في تهدئة الأوضاع.
صحيفة الأخبار اللبنانية