تانغو بوتين- اردوغان في كراباخ وادلب.. هل “يتسورن” جنوب القوقاز؟
هل تتسورن الأزمة الارمينية الأذربيجانية؟ يبدو السؤال صعب الإجابة بصورة قطعية في المرحلة الحالية، رغم انها وفي المسار الدبلوماسي الان على الأقل يبدو انها تتجه الى محاكاة الدور الدبلوماسي الروسي في الازمة السورية، خاصة بعد مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمشاركة تركيا في محاولات التهدئة، وبعد جولات مكوكية إيرانية ضمن عرض وساطة.
بهذا المعنى، وبعد ما يمكن وصفه بفشل محادثات جنيف الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورني كراباخ لمرة جديدة، وفشل إعلانات الهدن بنسخها الروسية والامريكية، يمكن عملياً متابعة مسار موازٍ لحل الأزمة قد يكون أطرافه ثلاثي استانا وسوتشي، أي روسيا وتركيا وايران، خصوصا مع تزامن مثير الأسبوع الماضي حين أعلنت ايران عن وساطتها، وبذات الوقت اعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن صيغة مثيرة للانتباه اتفق عليها مع بوتين تتضمن ان يتولى اردوغان نفسه محادثات مع الرئيس الاذربيجاني ويفعل بوتين ذات الشيء مع الأرميني للتوصل لاتفاق.
لاحقا، اعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وبذات الوقت، أن الصيغة التي تناسب باكو كإطار لتسوية النزاع في إقليم كراباخ هي “2+2″، أي أذربيجان وأرمينيا وروسيا وتركيا.
حصل ذلك، قبل يومين فقط من رفض روسيا الاستجابة للمناشدة الأخيرة التي أطلقها الرئيس الأرميني نيكول باشينيان رسميا للرئيس بوتين لبدء ما وصفه بـ “مشاورات عاجلة” لتوفير الأمن في ظل النزاع مع أذربيجان، إذ كان رد موسكو مكررا ما كان قد صرح به بوتين سابقاً بأن بلاده ملتزمة بمعاهدة الدفاع مع أرمينيا والتي تنص على حماية الأراضي الارمينية فحسب.
ووفقا للقانون الدولي يعد إقليم ناغورني كراباخ اذربيجاني، ما يعني ان المعاهدة الارمينية مع روسيا لا تشمله، وان التأكيد الروسي يأتي ليشدد للعاصمة الارمينية يريفان أن موسكو لن تخوض معها الحرب في الإقليم متنازع عليه، أو على الأقل “لن تخوضها الآن” أو “لن تخوضها بصورة علنية”.
بهذا المعنى يبدو من الواضح ان ترتيبات موسكو انقرة ستكون سيدة الموقف، ولعل الدخول الإيراني على الخط قد يعيد طهران الى طاولة تترسخ في العالم عنوانها الثلاثي المذكور، رغم ان وساطة طهران لا تزال حتى اللحظة غير واضحة الأفق، ولا يبدو انها قد تكون أساسية بخلاف الدورين الروسي والتركي.
الرئيسان الروسي والتركي يرقصان رقصة تانغو تبدو طويلة في مناطق نزاع مختلفة، وعلى الاغلب فيها جميعا اردوغان يتحرك بصورة تكتيكية بينما بوتين يلعب على الأهداف الاستراتيجية، والتي قد تحلحل النزاع لاحقا عبر صيغة موازية للصيغ الأممية (مجددا على الطريقة السورية)، خاصة بعد فشل ذريع لثلاثي مينسك في حل الازمة منذ نحو ثلاثين عام.
حل الازمة في كراباخ، قد لا يكون “حسابه” فيها، فالازمة السورية تشهد أيضا تحركات ثنائية تكاد تكون غير مسبوقة، إذ أقدمت روسيا على قصف فصيل “فيلق الشام” والقريب من انقرة في ادلب، وأوقعت منه قتلى يزيدون على 80، في وقت تتصاعد فيه أيضا الانباء عن تفكيك تركيا لعدد من نقاط مراقبتها بهدوء في منطقة خفض التصعيد التابعة لها هناك.
في الأزمة السورية، ووفقا لمركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي، حققت روسيا أهدافها الاستراتيجية بنجاح، خصوصا بعدما تعلمت من درس تدخلها في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي ولم تدخل بكامل جيشها على الأراضي السورية، الامر الذي اعتمدت فيه موسكو سياسة النفس الطويل في الازمة.
دوليا، التدخل الروسي في سوريا تبرره موسكو بكونه الى جانب الحكومة المعترف بها دوليا، وهذا حصرا ما فعلته انقرة في دعمها لاذربيجان في ناغورني كراباخ، وهي ذات المعادلة أيضا التي اتبعتها انقرة في الملف الليبي، حيث دعمت الحكومة المعترف بها دوليا.
في الازمات المذكورة تلاعب روسيا تركيا بنفس طويل وهادئ ومزج بين القوة العسكرية في سوريا (حيث القوة لصالح روسيا وضد انقرة) والدبلوماسية في ناغورني كاراباخ وليبيا (حيث في الأخيرة وبتفاهمات دولية تم التفاهم على المسار السياسي للازمة، وبصورة يرى فيها البعض سحبا للبساط من تحت اقدام انقرة).
في كراباخ (جنوب القوقاز)، يبدو ان مسارا جديدا للازمة قد يبدأ قريبا بصيغة دبلوماسية ويضمن أن يقطف الرئيس الروسي بوتين بهدوء ثمار كل مناورات وانحيازات نظيره التركي اردوغان، بما فيها تلك التي توقعه باشكالات مستعصية مع حلفائه في شمال الأطلسي كونها ستجعله (أي اردوغان) على الاغلب، يتجه شرقا أكثر فأكثر.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية