تجديد عرْض التفاهم على مأرب: السعودية تترقّب الهزيمة
مع استمرار تقدُّم قوات صنعاء في اتّجاه مدينة مأرب، ووصولها إلى مواقع حاكمة في آخر المناطق الفاصلة عن المدينة، تحاول السعودية، جاهدة، تلافي هزيمة باتت محتومة، بإبدائها، عبر وساطات إقليمية، استعدادها لقبول المبادرة المطروحة سابقاً من قِبَل «أنصار الله» في شأن مأرب، من دون أن تُقدّم إلى الآن أيّ ضمانات كفيلة بمحو إرثها في التملّص من التعهّدات أمام قيادة صنعاء. ومن هنا، تبدو المعركة متواصلة حتى انتزاع السيطرة على مركز المحافظة، حيث تبدو الموازين جميعها مائلة لصالح الجيش و«اللجان الشعبية».
مع سيطرة الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» على عدد من المواقع الحاكمة في منطقة الطلعة الحمراء، آخر المناطق الفاصلة عن مدينة مأرب، وسط انهيار غير مسبوق للنسق الدفاعي الأخير لقوات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، طُرح العديد من الأسئلة حول القرار المرتقب لقيادة صنعاء، وما إذا كانت ستستكمل اندفاعتها باتجاه التحرير الكامل للمدينة من الجهة الغربية، أم أنها ستنتظر بعض الوقت لاستكمال تحرير بقية الجبهات، قبل أن تُطْبِق قوّاتها على مركز المحافظة وتبدأ عملية منسّقة لاستعادته؟ على أيّ حال، ومهما كانت التكتيكات التي سيتّبعها الجيش و»اللجان» في وثبتهما الأخيرة، فإن قرار تحرير المدينة متّخذ على المستوى السياسي، فيما على القادة الميدانيين تشخيص التكتيك المناسب، وفي أسرع وقت ممكن، وبما يقلّل من الخسائر البشرية والمادّية إلى الحدّ الأدنى.
في هذا الوقت، علمت «الأخبار» أن جهوداً إقليمية بُذلت في الأيام الماضية، قدّم في خضمّها السعوديون تنازلات وصلت إلى حدّ موافقتهم الكاملة على مبادرة رئيس «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، مهدي المشاط، والتي قُدّمت في خريف العام الماضي، في شأن مأرب. على أن السعودية، ومن خلفها الولايات المتحدة وبريطانيا، لم تُقدّم بعد الضمانات اللازمة للسير في مبادرة المشاط أو أيّ مبادرة أخرى، الأمر الذي يثير الشكوك لدى صنعاء في صدقية نيات التحالف السعودي – الإماراتي، وخصوصاً أن التجارب السابقة أظهرت تملّص الأخير من تعهّداته عندما تتحقّق مآربه، بذريعة الاضطرار إلى الالتزام بالمرجعيات الدولية في شأن اليمن، وقرار مجلس الأمن 2216 الذي يجيز للسعودية وحلفائها استباحة السيادة اليمنية جوّاً وبحراً وبرّاً. لكن حركة «أنصار الله» ترى أن تلك القرارات والمرجعيّات هي السبب الرئيس في إغلاق الأفق السياسي وإفشال المسارات التفاوُضية منذ بداية الحرب، فضلاً عن أنها صدرت في ظلّ اختلال فاضح للموازين السياسية والعسكرية، ولم تكن صنعاء طرفاً فيها بأيّ حال، وجاءت صياغتها بما يراعي مصالح النظام السعودي كاملة، مع إبقاء اليمن تحت هيمنته ووصايته وبما يتناقض مع السيادة الوطنية. وعليه، ترى صنعاء أن المرجعيات والقرارات المشار إليها لم تعد صالحة للتأسيس عليها، سواء في مسار جزئي، كما حصل في «اتفاق استوكهولم» في شأن الحديدة وكما هو مطروح حالياً في مأرب، أو في المفاوضات الشاملة.
وتضع الاندفاعة اليمنية الحالية نحو مأرب الجانب السعودي ومِن خلفه واشنطن، أمام تحدٍّ صعب، بعدما كان الرهان على فشل «أنصار الله» في السيطرة على مركز المحافظة، من خلال استنزاف طرفَي المعركة أي حزب «الإصلاح» (الإخوان) و«أنصار الله»، وبالتعويل على افتقار الأخيرة إلى الحاضنة الشعبية هناك. كان في تقدير «التحالف» أنه مع مرور أكثر من شهرين على بدء الهجوم، استطاعت القبائل والفصائل الموالية له امتصاص عنصرَي المفاجأة والضغط الهائل والسريع من قِبَل الجيش و«اللجان»، ما يعزّز احتمالية خسارة صنعاء في هذه المعركة. وجهدت السعودية، في الأيام الماضية، في إبقاء المعركة ثابتة في خطوط القِتال الحالية، مُعوِّلة على ثبات وكلائها في الميدان، مع الاستمرار في إرسال التعزيزات العسكرية من المحافظات إلى الخطوط الأمامية، وتَواصل الدعم المالي والتسليحي والغطاء الجوّي من الرياض. لكن كما في كلّ مرّة، لم تتوافق حسابات المملكة مع ما يجري على الأرض. إذ إن من شأن كسر خطّ الدفاع الأخير لقوات هادي منْع حالة الاستنزاف، ووضْع حدّ لتفوّق سلاح الجوّ السعودي. أمّا في ما يخصّ الحاضنة الشعبية، فقد عكست الأسابيع الماضية فشل الرهانات السعودية، حيث بات سكّان مأرب أقرب إلى قوات صنعاء منهم إلى أيّ طرف آخر، فيما انخرط الكثير من شباب القبائل في القتال في صفوف «أنصار الله»، توازياً مع استمرار جهود الوجهاء والشيوخ لتسليم المدينة من دون قتال. وبحسب المعلومات، فإن الكثير من المجاميع العسكرية والقبلية، التي كانت لا تزال تقاتل في صفوف العدوان، أبدت جهوزية للانضمام إلى الجيش و»اللجان» في الوقت المناسب.
وفي السياق ذاته، يضع هجوم قوات صنعاء على مأرب الإدارة الأميركية الجديدة في موقف حرج للغاية، إذ تدرك الأخيرة أن هذه المعركة لن تُحدّد الرابح والخاسر في اليمن فحسب، بل في المنطقة والإقليم برمّته. وكان المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، قد حذّر، منتصف الأسبوع الجاري، أمام أعضاء في الكونغرس، من أن الهجوم على مأرب الغنية بالغاز يشكّل «أكبر تهديد لجهود السلام»، معتبراً أنه إذا لم يتوقّف القتال هناك «فسيؤدي إلى موجة أكبر من المعارك والاضطرابات».