
ساكرامنتو-كاليفورنيا |أحبّ الحيوانات الأليفة، القطط والكلاب على وجه الخصوص، لكن من بعيد. أراقبها في الشوارع والحدائق، وأبتسم حين أراها في وسائل الإعلام، لكني لا أجرؤ على لمسها. ربما لأن في أعماقي خوفًا قديمًا، تركه كلب عضّني في طفولتي، فظلّ ذلك الأثر العالق في الذاكرة حاجزًا بيني وبينها. سمعت كثيرًا عن وفاء الكلاب لأصحابها، عن إخلاصها الذي يتفوّق على البشر، لكن شيئًا من ذلك لم ينجح في مداواة خوفي القديم.
قبل أشهر، سافرت إلى ساكرامنتو، عاصمة كاليفورنيا، لإنهاء بعض الأعمال، وهناك استضافني صديق أمريكي في منزله. رحّب بي بحرارة، لكن المفاجأة كانت أن له شريكًا في السكن… كلبًا يدعى ماكس. لمح صديقي في عينيّ شيئًا من الحذر فابتسم مطمئنًا:
“لا تقلق، هذا ماكس، صديقي المخلص. إنه أوفى من كثير من البشر.”
جلس ماكس على ركبتيه، يراقبني بعينين وادعتين. قال صديقي:
“عالم الكلاب مليء بالجمال والدهشة، انظر كم هو لطيف وذكي. إنه يسمعني حين يتجاهلني البشر، ويرافقني حين يرحل الجميع. له ميزانية خاصة، وطعام مميز، ووقت يومي للنزهة في الحديقة.”
ابتسمتُ وسألته مازحًا إن كان ذكرًا أم أنثى، فأجاب بفخر:
“إنه كلب، لكنه رجل في وفائه!”
في اليوم التالي، غادر صديقي إلى عمله، وتركني وجهًا لوجه مع “الصديق اللدود”. كنت في المطبخ أعدّ قهوتي حين اقترب مني ماكس بخطوات حذرة، ينظر إليّ كأنه يطلب شيئًا. رميت له بعض الطعام، فالتهمه بفرح، ثم أخذ يهزّ ذيله في مشهد لطيف كأنه يشكرني بطريقته الخاصة.
لكن بينما كنت أنظر إليه، خطر لي خاطر مؤلم:
كم من طفلٍ جائع في إفريقيا أو لاجئٍ صغيرٍ في مخيمٍ بائس ينام على الطين بلا طعام، ولا يجد من يهزّ له الذيل امتنانًا أو من يربّت على كتفه حنانًا؟
هؤلاء الأطفال، الذين التهمت الحروب أحلامهم، لا يجدون من ينفق عليهم دولارًا، بينما تُصرف المليارات على رفاهية الحيوانات الأليفة في الغرب.
أيّ عدالة هذه التي تكرّم كلبًا، وتنسى الإنسان؟
أيّ حضارة تلك التي تبكي إن ضاع كلب، ولا ترفّ لها عين أمام صور الأطفال الذين يموتون جوعًا وبردًا في المخيمات؟
في اليوم الثالث، حين ودّعت صديقي، ابتسمت وقلت له مازحًا:
“ابحث لماكس عن كلبة تشاركه حياته… لعلّهما يعيشان بسباتٍ ونباتٍ أفضل من كثيرٍ من البشر!”
ثم غادرتُ ساكرامنتو وأنا أحمل في قلبي سؤالًا لا يفارقني:
متى يعود الإنسان إلى إنسانيته؟ ومتى يصبح الوفاء صفة بشرية لا كلبية ؟
بوابة الشرق الأوسط الجديدة



