
تحالف إسرائيلي-يوناني-قبرصي في شرق المتوسط كجزء من عسكرة متصاعدة تهدف إلى حماية مصالح الطاقة وفرض ردع استراتيجي في مواجهة تركيا، وسط توازنات دولية وإقليمية معقّدة.
في منطقة يُنظر إليها كمنطقة مفصلية للطاقة والأمن الاستراتيجي، تشهد الساحة في شرق البحر الأبيض المتوسط تحولات متسارعة، إذ خرجت تحركات عسكرية معلنة لتصل إلى مستوى تحالف جوي وأمني بين الكيان الإسرائيلي واليونان وقبرص، في خطوة تُعدّ الأبرز منذ سنوات في سياق التوتر المتصاعد مع تركيا على خلفية النزاعات البحرية والموارد الطبيعية.
عسكرة شرق المتوسط: تكتل عسكري لاحتواء التمدد التركي
خلال قمة ثلاثية جمعت قادة الحكومات الإسرائيلية واليونانية والقبرصية، أعلنت الأطراف المشاركة عن اتفاق لتوسيع التعاون العسكري والأمني، في خطوة قد تُقرأ كرسالة ردع موجهة إلى تركيا، دون ذكرها صراحةً، في ظل توتر متصاعد بين أنقرة وكل من أثينا ونيقوسيا و”إسرائيل”.
في هذا السياق، تشير تقارير إلى أن المناقشات تشمل فكرة إنشاء قوة تدخل سريع مشتركة تضم وحدات برية وبحرية وجوية من الأطراف الـ3، بقدرة تصل إلى حوالي 2500 جندي يمكن نشرهم في حالات الأزمات. هذه القوة، كما تحدث عنها الإعلام الإسرائيلي، “تمثل رسالة ردع مباشر لأنقرة حول عزم الشركاء على تثبيت توازن القوى في البحر المتوسط”.
وترى أوساط أمنية وسياسية إسرائيلية أن هذا البعد العسكري يأتي أيضاً في ظل حديث متزايد عن أنظمة دفاع مشتركة، وتدريبات عسكرية متكررة بين القوات، ما يعكس رغبة متبادلة في تعزيز الجاهزية العملياتية ضد أي تهديدات مستقبلية ومحاولة احتواء أي تمدد تركي محتمل.
في شأنٍ متّصل، قالت تقارير إلى إن القمة الثلاثية تناولت تعزيز التعاون الأمني في شرق المتوسط في ظل تصاعد النشاطات العسكرية التركية، ما يعكس رغبة الأطراف الـ3 في تنسيق أمني وعسكري محكم للتعامل مع التحديات الإقليمية المرتبطة بأنقرة، بما في ذلك مخاطر التوسع أو الحضور العسكري التركي في المنطقة
وتضيف تحليلات مركز “بيغن – سادات” الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية، أن التفاهمات والتعاون المتزايد بين “إسرائيل” وقبرص واليونان في السنوات الأخيرة تأتي في سياق التوترات مع تركيا حول إعادة فتح ساحل فاروشا وأزمات أخرى في شرق المتوسط، ما يعكس تكاملاً أمنياً واستراتيجياً بين الشركاء الثلاثة لمواجهة تطلعات أنقرة التعزيزية في المنطقة.
لذا، فإن عسكرة شرق المتوسط ليست مجرد استعداد دفاعي، بل تجسد تحولاً استراتيجياً في التوازن الإقليمي، حيث يربط التعاون العسكري بين “إسرائيل” وقبرص واليونان بين مصالح الأمن والطاقة، في ظل المنافسة الإقليمية مع تركيا.
الصراع على الطاقة: الموارد ومساراتها إلى أوروبا
لا يمكن فصل هذا التحالف عن الصراع الدائر على الغاز في شرق المتوسط، حيث يمثّل الأخير شرياناً للاقتصاد والأمن، إذ تمثل موارد الطاقة هناك هدفاً اقتصادياً استراتيجياً ليس فقط في الإقليم بل لأوروبا التي تبحث عن مصادر بديلة للطاقة.
لذا، فقد ترددت في بيانات القمة الثلاثية إشارات إلى أهمية التنسيق في مجال الطاقة، بما في ذلك حماية البنى التحتية البحرية والطاقة وربطها بشبكات التصدير إلى الأسواق الأوروبية.
هذا ما أشار إليه مركز الدراسات العربية في واشنطن (Arab Center Washington DC)، الذي قال إن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط يُعد عنصراً جيوسياسياً محورياً بسبب قربه من السوق الأوروبية وأهميته في سياق تنويع مصادر الطاقة العالمية بعد الحرب في أوكرانيا، ما يجعل من موارد الغاز عاملاً مؤثراً في تحالفات الأمن والاستقرار الإقليمي بين الكيان “الإسرائيلي” ودول قبرص واليونان.
وبحسب “رويترز”، وافق البرلمان الأوروبي في 17 كانون الأول/ديسمبر الجاري على خطة لوقف واردات الغاز الروسي تدريجياً بحلول أواخر 2027، في خطوة تهدف إلى تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي بعد الحرب في أوكرانيا. هذا القرار يعكس توجهاً أوروبياً نحو تنويع مصادر الطاقة، مما يزيد من أهمية مصادر الغاز البديلة في شرق المتوسط ويضع الأمن والمصالح الإستراتيجية كشرط أساسي لنجاح أي مشروع طاقوي إقليمي.
كما تشير تقارير نقلتها “Times of Israel” إلى أن النزاعات المتعلّقة بحقوق التنقيب والحدود البحرية بين تركيا من جهة، و”إسرائيل” وقبرص واليونان من جهة أخرى، دفعتها لتعزيز تعاونها العسكري والأمني، إلى جانب التنسيق في مجال الطاقة، في محاولة لحماية مصالحها وتأمين مواردها في شرق المتوسط في ظل التوترات مع أنقرة.
ما هي مواقف أميركا وروسيا وماذا عن دور مصر؟
إذاً، التحركات الثلاثية تأتي في سياق دولي متقلب، حيث تلعب القوى الكبرى أدواراً واضحة أو خفية في الصراع الإقليمي.
فواشنطن مثلاً، في ظل منافستها المستمرة مع موسكو، تراقب التحالف عن كثب، معتبرة إياه جزءاً من الجهود لضمان أمن الطاقة واستقرار الإمدادات إلى أوروبا، دون الانخراط المباشر في مواجهة تركيا، وفقاً لوكالة “رويترز”. وبحسب مركز الدراسات العربية في واشنطن (Arab Center Washington DC)، فإن موسكو تراقب التحالف الثلاثي بحذر، لأن أي تعزيز أمني في شرق المتوسط قد يؤثر على نفوذها التقليدي في شرق المتوسط، ويدفعها إلى إعادة تقييم حساباتها في المنطقة.
أما مصر، فتحتفظ بدور محوري نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي وبنيتها التحتية للطاقة وقناة السويس، حيث تجمع القاهرة بين مصالحها في أمن القناة والغاز ودورها كدولة محورية تربط بين أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، ما يجعل مواقفها محط أنظار الشركاء، كعنصر مهم في أي سيناريو مستقبلي لضمان تصدير الغاز إلى أوروبا وحماية مصالح التحالف الثلاثي.
تخلص هذه الدراسات، إلى أن التحالف الثلاثي، المدعوم بالبعد الاقتصادي للطاقة، هو محاولة كي يصبح أداة استراتيجية للردع وضمان مصالح الدول المشاركة في مواجهة التمدد التركي، مع مراعاة المواقف الدولية الكبرى من واشنطن إلى موسكو، ودور اللاعبين الإقليميين مثل مصر في ضبط التوازن الإقليمي.
هل نتجه نحو مواجهة؟
يأتي تصاعد التحالفات العسكرية في شرق المتوسط في لحظة إقليمية حسّاسة، ما يطرح تساؤلات جدية حول احتمالات المواجهة. فبينما تصرّ أطراف التحالف الثلاثي على أن تحركاتها ذات طابع ردعي، وأنها تسعى نحو “السلام عبر القوة”، حسب تعبير نتنياهو، إلا أنه لا مهرب من كونها محاولة لتطويق أنقرة استراتيجياً.
لذا، فإن استمرار سياسة فرض الوقائع في البحر، وتكثيف المناورات العسكرية المتقابلة، قد يدفع المنطقة نحو احتكاكات موضعية قابلة للتوسع إذا غابت آليات الضبط السياسي والدبلوماسي.
الميادين نت



