فن و ثقافة

تحت سابع أرض ، ليالي روكسي، البطل : فن التمثيل بين نجوم الصف الأول والثاني

عماد نداف

الحلقة الثانية

الحديث عن أداء الممثل ونجاحه أو تميزه في الدراما التلفزيونية يعيدنا إلى فن التمثيل نفسه والذي اشتغل عليه أحد أهم مخرجي العالم وهو قسطنطين ستانسلافسيكي، وهذا بدوره يدفعنا إلى البحث عن الفارق بين أداء الممثل على الخشبة، و أدائه أمام الكاميرا.

ففي الوقت الذي يتحدث فيه ستانسلافسكي عن  الفعل المسرحي وضرورة استناده إلى إحساس داخلي وعن التكيف وعن  الواقع التخيلي للشخصية وعن تركيز الانتباه و استرخاء العضلات والهدف وغير ذلك من شروحات، فإن الوقوف أمام الكاميرا يضعنا أمام موازين جديدة أهمها وجود الكاميرا وحذف الجمهور وإمكانية إعادة التصوير أكثر من مرة ودور الإضاءة وحركة الكاميرا وحجم اللقطات فالوقوف أمام الكاميرا يتطلب من الممثل امتثال الواقعية كما في الحياة الطبيعة كما تقول الدراسات فلا حركة من غير هدف، ولا تعابير أكثر من اللازم؛ لأنه .بإمكان المخرج شدّ الإيقاع عن طريق أحجام اللقطات، حركة الكاميرا وزوايا التصوير.. فالمبالغة في الأداء ستكون مُنفّرة للمشاهد.

كل ذلك يعتمد أساسا على طبيعة فهم الممثل للشخصية التي يقوم بتجسيدها أمام الكاميرا ونجاحه في تقديمها لتساهم مع المؤثرات الأخرى في إقناع المشاهد بها وبتطورها وردود أفعالها وكما جاء في إحدى الدراسات فإن الممثل الموهوب هو الذي يعرف الحياة و يضعها في خدمة الدور عن طريق الشعور و الإحساس.

وهنا يظهر دور المخرج في انتقاء الممثل، وهي عملية صعبة قد تؤدي أحيانا إلى إضعاف العمل مقابل حسابات شخصية عند المخرج، وقد تؤدي إلى اكتشاف مواهب كبيرة عندما يلجأ المخرج إلى المراهنة على بعض الأسماء، وهنا نصل إلى الملاحظات الضرورية المتعلقة ببعض مسلسلات الموسم الرمضاني 2025 .

وكما أشرت في الحلقة الماضية فإنني سأغفل الحديث عن نجوم الأعمال لأن ما كتب عنهم هو أكثر مما يحتاجونه، وهذه الطريقة في النقد حرمت ممثلين مبدعين من محاكاة إبداعهم رغم أن الجمهور اكتشف هذا الإبداع بسرعة.

جاء انتقاء المخرج سامر برقاوي للفنان وسيم قزق للعب دور مازن في مسلسل تحت سابع أرض نموذجا على عملية التحدي التي يقوم بها الممثلون وهذا ما جعل الفنان قزق يواجه الكاميرا كممثل قدير أنتج شخصية قادرة على الإقناع، وكذلك هو الحال في انتقاء الشخصيات الأخرى وخاصة :

ملاك الكنعان في دور (ليلاس) وعمرو الماريش (مياس) وميخائيل صليبي في دور (أنس العجان)، كان أداؤهم احترافيا مشغولا بحجم الدور وبطموح الفنان المتمكن من موهبته، ويمكن الحديث عن آخرين قد يأتي ذكرهم لاحقا.

كذلك اختار المخرج الليث حجو ممثليه بدراية متميزة للربط بين الشخصيات ومهارات الفنانين السوريين الموجودين بكثرة في لعبة الاختيار، فقد حاولت استبدال الأدوار في مسلسل البطل أكثر من مرة فلم أنجح وخاصة وأنا أراقب النجاح في أدوار كل من نور علي

(مريم) ، وخالد شباط (مروان) ، ونانسي خوري (سلافة) ، وجرجس جبارة (أبو عدنان)..

إن انتقاء الممثلين في مسلسل البطل هو واحد من أهم عوامل نجاحه ، وهو عنصر يمكن الحديث عنه في نجاح العملين الآخرين تحت سابع أرض وليالي روكسي، مع ملاحظة أن أي مخرج كان يمكن أن يستبعد الفنان الشاب خالد شباط عن هذا الدور نظراً لنجاحه الفائق في الأدوار المركبة التي لعبها في أعمال سابقة محلية وتركية لولا نباهة الليث حجو إلى الحلتين التي اشتغل عليهما شباط في مسلسل الخائن .

وبشكل عام، فإن الفنانين النجوم بسام كوسا ومحمود نصر وتيم حسن وكاريس بشار ومنى واصف ودريد لحام وأيمن زيدان وسلاف فواخرجي، هم نجوم الأعمال الثلاثة، وليس هناك من حاجة للحديث عن أدائهم والأدوار التي لعبوها، فهم نجوم درجة أولى في هذه الأعمال، وانتقاؤهم مرهون بعوامل النجومية وظروفها الإنتاجية أكثر من العوامل الإبداعية عندهم،  وإذا كم من الضروري الحديث عن نماذج أخرى فإن الفنانة جيانا عيد في مسلسل البطل قدمت نفسها بثقة إلى سجل الفنانات الكبار اللواتي لعبن دور الأم في الدراما السورية، ودور أم فرج دور مختلط يصل إلى ذاتية المرأة وسجلها الاجتماعي وفي الوقت نفسه يدخلها  في صراع مع شخصيتها كأم .

لكن انتقاء الممثلين الآخرين جعلهم أكثر قدرة على الإدهاش والنجاح في لعب أدوارهم، وكأنهم وضعوا طريق صحيح لنجومية الأعمال القادمة وبطولتها.

ما يلفت النظر في الأعمال الثلاثة أنها قدمت نماذج من التمثيل تحتاج إليها الدراما السورية ، فالفنانة رنا ريشة لعبت دورين دفعا المشاهد للمقارنة ، وذلك بين شخصية كوكب في ليالي روكسي، وشخصية كندة في مسلسل تحت سابع أرض، ويبدو أن الفرصة أتيحت أمامها لتقدم نفسها في ليالي روكسي من خلال شخصية كوكب التي تحتاج إلى جهد كبير وفهم خاص لطبيعتها، فهي كركتر صعب قامت بتقديمه بمهنية وموهبة عالية، فالشخصية تحتاج إلى أداء ممثلة جريئة واثقة بنفسها لأن الدور يتطلب التخلي عن أنوثتها كامرأة وهذه مسألة قد تضر بنجومية الفنان إذا لم ينجح فيها، ومع ذلك نجحت بتقديم الروحين معا : روح الشر وروح الخير فهي نشالة، وقادرة على مواجهة فتوة الحارة حبيبها الأول، وهي مخبرة للسلطات  وودودة وطيبة في حالات العشق، لكنها صعبة قاسية عندما يحطمها الحب في زواجها مع (نظمي) في مرحلته الأولى وفي جرح أنوثتها ليلة العرس. وعندما نتحدث عن شخصية كندة مع سامر برقاوي نراها وقد أدت دور امرأة مودرن (زوجة عميد/لواء) فظهرت بأناقتها وجمالها وأنوثتها، وهذه ثقة فنانة تبحث عن النجاح.

الفنان (الفتى) تيم عبد العزيز لعب دورين هامين هما (على الله) في ليالي روكسي و (أدهم) في مسلسل تحت سابع أرض، وقد نجح في لعب الدورين إلا أنه لم ينجح في تقديم الجديد، فهما دوران ينبغي مقارنتهما مباشرة مع دور (بارود) في مسلسل (النار بالنار) مع الفنان عابد فهد، أي أن هذه الأدوار جعلته يدور في خانة الشخصيات المتشابهة ، ولم يُعط الفرصة للخروج عن ظهوره الناجح في النار بالنار، ونجاحه هذا يتطلب منه ومن أبيه المخرج محمد عبد العزيز البحث أدوار من نوع آخر ليحقق النقلة المطلوبة في إظهار مهاراته كممثل نجم في مستقبل الأيام.

الفنان جوان الخضر لعب دورين مختلفين هم شخصية (بدري) في ليالي روكسي والمقدم (فجر) في مسلسل تحت سابع أرض، وهذان الدوران متناقضان في نوعية الكركتر، وفي روحية الشخصية ، وحتى شكلها ، ولا أعرف كيف كان يخرج من الأولى ليدخل في الثانية خلال أوقات التصوير المتقاربة ، أي أن جوان خضر سيقدم نفسه في السنوات القادمة كواحد من نجوم الصف الأول بعد ظهور مهاراته في الوقوف أمام الكاميرا وفي فهم الأدوار التي يلعبها.

الفنان مجد فضة لعب أيضا دورين هما مهيب مصطفى في تحت سابع أرض و (نظمي) في ليالي روكسي، ورغم أن الدورين غير متشابهين، إلا أنه أداهما بروح واحدة، وكأنه زاوج من دون أن يدري بين شخصية الإنسان الطموح بالفن وشخصية المزور الطماع وثمة فرق جوهري على الممثل إظهاره، وقد تكون هي رؤية خاصة بالإخراج، أو من سوء توقيت العملين في موسم واحد لكن مجد فضة أحد الممثلين الموهوبين في الدراما السورية ومسيرته تدل على ذلك.

الفنان جمال العلي لعب دورين هما (أبو زهدي) في ليالي روكسي و(زهير) في مسلسل البطل لليث حجو، فشخصية أبو زهدي كركتر يحتاج إلى أداء متميز نجح فيه لأنه خاض تجارب كثيرة من هذا النوع، وشخصية زهير شخصية نمطية أداها بنجاح ، وبين الشخصيتين يتابع هذا الفنان مسيرته بثقة غريبة وبتواضع يحسد عليهما، وخاصة في مجال الكوميديا .

الفنان عبد الفتاح المزين قدم شخصية (فرزت) في ليالي روكسي و(الامبراطور) في تحت سابع أرض، وهي أيضا من الاختيارات التي تؤطره كفنان في نمط محدد من الشخصيات والتي تعيدنا إلى شخصية (زاهي أفندي) في مسلسل (أبو كامل) لعلاء كوكش وفؤاد شربجي وإلى دوره في مسلسل بيت أهلي ..

وثمة نجاحات قدمها الفنان السوري في هذا الموسم الرمضاني، لابد من التنويه إليها، ومنها أداء الفنان تيسير إدريس الذي نجح في دور منير العجان في مسلسل تحت سابع أرض، كما نجح في أعماله السابقة، رغم تعامله المسرحي أحيانا أمام الكاميرا، ونجاحه بديهي وإن ابتعد كثير من المخرجين عن الاستفادة من خبراته .

وفاتح سلمان الذي أسند له دور يعيده إلى الشخصيات النمطية في البيئة الشامية التي أطرته كثيرا رغم نجاحه بأدوار خارج هذا النمط وربما ظلمه مخرج روكسي محمد عبد العزيز بإسناد دور مرادي فأعاده إلى شخصيات باب الحارة  وهو خاض معه تجربة شارع شيكاغو المميزة..

وأختم هذه الأفكار بأداء بالإعجاب بأداء الفنانين جيني أسبر بدور (فتحية العرجا) وشادي الصفدي في (بلبل) وحازم زيدان في شخصية (جلال) وإبراهيم الشيخ بشخصية (نشوان) ولمى بدور(نظلي) لوريس قزق (زليخة)، وكلها في ليالي روكسي التي تحتاج إلى وقفات أوسع من الإعجاب وربما يرد الحديث عن أدوارهم في الحلقات القادمة عن هذه المسلسلات التي تمكنت من متابعتها في هذا الموسم من شهر رمضان المبارك، والتي سأبدأ الكتابة عنها في الحلقة التالية عن مسلسل ليالي روكسي للمخرج محمد عبد العزيز، ثم البطل ثم تحت سابع أرض.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى