تحليلات سياسيةسلايد

تحذيرات غربية من بيع الأوهام: «حماس» باقية… والصفقة بعيدة

ريم هاني

يُدرك صناع السياسة في إسرائيل والولايات المتحدة، أنّ استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» وقائد الحركة في غزة، يحيى السنوار، هو أبعد ما يكون عن «القضاء» على حركة المقاومة وإنهاء الحرب، وإن سارع بعض المسؤولين الأميركيين، مجدداً، إلى محاولة بيع إسرائيل «صورة نصر وهمي»، معربين عن نيتهم تجديد المساعي الديبلوماسية إلى إنهاء الحرب.

 

أمّا التقارير ومقاطع الفيديو التي توثق اللحظات الأخيرة التي سبقت استشهاد السنوار، فلا تكشف إلا عن جهل إسرائيلي بطبيعة المقاومة، نظراً إلى أنّ ما نشره العدو لن يزيد المقاومين إلا شراسة في المدة المقبلة، وهو ما عبّرت عنه بوضوح مصادر من «حماس»، أكدت أنّ الحركة ستواصل القتال «بقوة أكبر».

على أن اللافت، أنّ المساعي الأميركية «المتجددة» إلى إبرام اتفاق لوقف النار، تهدف، على الأرجح، إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب، نظراً إلى أنّ استمرار الأخيرة سيكون له، طبقاً لهؤلاء، تبعات كارثية عليها.

وفي السياق، تنقل صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية عن ديبلوماسيين ومحللين قولهم، إنه في حين أن قتل زعيم «حماس»، العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر، هو بمنزلة «ضربة موجعة» لـ«حماس»، إلا أنّه لا يعني بالضرورة «انهيار» الجماعة، ولن ينهي، لوحده، الحرب المدمرة في غزة.

ويحذّر أحد الديبلوماسيين الغربيين، في حديثه إلى الصحيفة، من أن استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى سيكون مدمراً لا بالنسبة إلى غزة فقط، بل إلى إسرائيل أيضاً، ولا سيما الأسرى، معتبراً أنّ «اغتيال السنوار يشكل المرحلة الأخيرة من القتال العسكري النشط»، وأنّ الكرة حالياً في ملعب إسرائيل، التي عليها أن تقرر إلى «أي مدى تريد المضي قدماً في الحرب الدائرة».

ومن جهته، يقول إبراهيم دلالشة، وهو رئيس مركز بحثي في رام الله، إنّ ضرب «الرأس» لا يلغي فكرة أنّ «بقية الجسد لا تزال تتعامل مع عملية عسكرية إسرائيلية مستمرة في غزة، وتزداد قسوة في ما يتعلق بالحفاظ على سيطرتها». ويضيف: «ما زلنا بعيدين عن الاستسلام التام والانهيار»، مشيراً إلى أنّ القادة الجدد «قد يكونون على استعداد لتخفيف شروطهم مقارنة بالخط الذي كان السنوار يتبعه، لكن بنسبة محدودة فقط، وإلا فهم لن يكونوا قادة (حماس) فعلياً».

أمّا شبكة «بي بي سي» البريطانية، فتشير، من جهتها، إلى أنّ رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يكرر مراراً «أهدافه الحربية»، المتمثلة في القضاء على «حماس» كقوة عسكرية، واستعادة الأسرى، مضيفة أنّه لم يحقق أياً من الهدفين، رغم الحرب التي أودت بحياة نحو 42 ألف فلسطيني، وتركت قطاع غزة في حالة من الخراب، وذلك نظراً إلى أنّ الأسرى ليسوا أحراراً بعد، وأنّ «حماس» لا تزال تقاتل وتقتل أفراد القوات الإسرائيلية. وتذكّر بأنّه منذ عام 1990 «قتلت إسرائيل جميع قادة (حماس) باسثتناء واحد فقط، قبل أن تجد الحركة خليفة لهم في كل مرة».

وبدورها، تلفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى أنّ عدداً قليلاً من الخبراء يعتقدون أنّ قتل السنوار سيثني حركته عن متابعة القتال، مشيرةً إلى أنّه في حين أن إسرائيل لم تضع خطة واضحة لكيفية انتهاء الحرب أو من سيدير غزة بعد ذلك، متعهدة بمنع «حماس» من استئناف أي دور في الحكم، فإنّ الأخيرة «تواصل القتال»، وكثيراً ما كانت تظهر مجدداً، وتشنّ هجمات جديدة، في المناطق التي تزعم إسرائيل أنّها «طهرتها».

وتنقل الصحيفة عن رمزي مارديني، من «معهد بيرسون في جامعة شيكاغو»، الذي يدرس حركات التمرد والحروب الأهلية، قوله إنّ «حماس» تخوض منذ عام حرباً في مساحة مغلقة جداً، ما يعني أنّها تعتمد على «اللامركزية» في قتالها إلى أقصى حد، وعلى مجموعات مكونة من عشرات المقاتلين أو أقل، والذين يتمتعون «بمستوى عال من الاستقلالية». ويتابع الخبير أنّ ما تقدم يشير إلى أنّ استشهاد السنوار لن يؤثر على تلك العمليات، لا سيما أنّه لم يكن، على أي حال، يقودها بنفسه.

الخطط الأميركية

وبطبيعة الحال، وفور إعلان جيش العدو استشهاد السنوار، خرج المسؤولون الأميركيون، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي، جو بايدن، لتهنئة نتنياهو على «الإنجاز الأخير»، والترويج لفكرة أنهم أزالوا «العقبة الرئيسية» في اتجاه التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مطلقين العنان لـ«حراك ديبلوماسي» جديد.

وعليه، أبلغ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، أنه يخطط للسفر إلى المنطقة في الأيام المقبلة، لمناقشة سبل الضغط من أجل إبرام الاتفاق، فيما أبلغ بايدن نتنياهو أنّ الوقت قد حان للمضي قدماً في هذا الاتجاه.

وبحسب مصادر ديبلوماسية تحدثت إلى صحيفة «فاينانشال تايمز»، فإنّ إحدى المبادرات التي تجري مناقشتها ستشمل عرضاً لوقف إطلاق النار، مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، ومنح «ضمانات جسدية» لمقاتلي «حماس» الذين سيطلقون الأسرى، جنباً إلى جنب استكمال المحادثات لإنهاء الحرب.

على أنّ الطرح المشار إليه، سيقابل، كما كل ما سبقه، بـ«تعنّت» إسرائيلي، لا سيما في ظل وجود الائتلاف اليميني المتطرف الذي يقوده نتنياهو.

وكان حثّ الأخير في بيان، عقب استشهاد السنوار، مقاتلي «حماس» على إطلاق سراح الأسرى، من دون ذكر وقف إطلاق النار. وقبل استشهاد رئيس «حماس»، بدا الحراك الأميركي المشار إليه «مؤجلاً» على الغالب، إلى ما بعد الانتخابات الأميركية الشهر القادم، إذ ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي، الأربعاء، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أنّ بلينكن يدرس «خطة ما بعد الحرب» في غزة على أساس أفكار «طورتها» إسرائيل والإمارات، على أن يتم طرحها بعد الانتخابات الرئاسية، وسط قلق في أوساط عدد من المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية من أن الخطة المذكورة ستهمش رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وحكومته، «وهو ما تضغط إسرائيل والإمارات من أجله على المدى القريب».

على أنّ مسؤولين آخرين في الخارجية الأميركية يحذرون من أنّه من «غير الحكيم تقديم خطة تخدم مصالح نتنياهو، وستقابل بالتأكيد برفض من الجانب الفلسطيني، وتفشل»، علماً أنّ إدارة بايدن وإسرائيل والإمارات تناقش تلك الخطة منذ أشهر، واكتسبت نقاشاتها حولها «زخماً جديداً» في الأسابيع الماضية.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى