تحطيم طبقة أم بلد؟

 

“للقضاء على الفقر يجب القضاء على الفقراء”

__________________________________

لم يكن صعباً عليّ الكتابة عن الانتفاضةالسورية (2011) وتحولاتها حتى اليوم (2019) بسبب الحرص على الموقف النزيه أو الضروري للممثقف القادر، في لهب الحرب، على رؤية الثلاثي الخطر: البنادق، والخنادق، والفنادق.

بدأت الانتفاضة السورية سلمية. ولكنني، ومنذ تكرار الخروج من الجامع… توجست. ومنذ بدأت تسمية أيام الجمعة بأسماء إسلامية وحربجية ازداد التوجس. ومنذ بداية القتل على شكل مجازر… عرفت أننا ذاهبون إلى الحرب الأهلية (نوعها السوري) وأصبح الوصول إلى التدخل الخارجي بكل أشكاله، تحصيلاً بديهياً. وصولاً إلى نوع من الاحتلال المباشر …التركي لمساحة بحجم لبنان مرتين.

والآن تحتاج سورية إلى ما يزيد عن 300 ملياردولار لإعادة بناء ما هدمته الحرب. وتحتاج سورية إلى مصحة تربوية روحية ثقافية لترميم الخراب الإنساني والأخلاقي. ويحتاج نصف سكان سورية إلى نسيان أسوأ أنواع الاقتلاع واللجوء والمنفى . يمكن وصف الكارثة بمجلدات دون الوقوع في المبالغة.

لكنني، اليوم، أجد نفسي في حالة غريبة من الارتباك الكتابي أمام الحدث اللبناني. وأحاول منذ أسبوع تقشير الكلام للوصول إلى الحقيقة التي يبدو أنها واضحة، وأراها أنا غامضة رغم عريها المشهور في الجملة المتداولة … ” الحقيقة العارية”.

حتى الآن وقد دخلت الانتفاضة اللبنانية أسبوعها الثاني، ولم يقتل أحد. وعدد الجرحى لا يُذكر. وحتى الآن يبدو اللبنانيون من مختلف الأعمار والبيئات السياسية، كأنهم يصممون نموذجاً جديداً للتظاهر والاعتصام والتعبير عن المطالب.

حتى الآن، أيضاً، الحكومة اللبنانية استطاعت ضبط جرعات الشدة والقوة وأنواع التدخل، في حالة غير مسبوقة مقارنة بالانتفاضة الزميلة العراقية، وحتى الانتفاضة السودانية.

حتى الآن تتفوق الانتفاضة اللبنانية بالاعتدال في المطالب. حيث استبدلت الشعار القاتل عند الجيران “الشعب يريد إسقاط النظام” بشعار زميل له: “الشعب يريد إسقاط الفساد”.

حتى الآن توجد حلول أكثر من الاستعصاءات. وإمكانية حوار حول طاولة، أكثر من احتمالات قتال في خندق. وما يزال، حتى الآن… ساندويتشات المتظاهرين المناوبين في الساحات، تمويلها لبناني.

وحتى الآن… القلوب تخفق تعاطفاً مع المتظاهرين، ومع اختراعات المرح والفكاهة وخفة ـ وغلاظة الدم أحياناً.

ولكن ما أخشاه أن يكون قدر الثورات العربية هو انتصارها برأس مقطوع ، وهزيمتها أفضل من نصرها ، والأثمان الباهظة المدفوعة أكبرمن الانجازات المحققة.

ما أخشاه أن تصبح أفضل أنواع الاحتجاجات ، التي نشهدها في لبنان ، مختبراً لتصنيع أسوأ عتبات الحرب الأهلية.

جيلي أنا… يتذكر باص عين الرمانة ، الذي أدى “مقتل” عشرين فلسطينياً فيه ، إلى “قتال” عشرين سنة في حرب أهلية، دشنت خاتمتها إسرائيل باحتلال بيروت.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى