اتحاد الخليج بعيداً عن الانفعال
اتسمت العديد من ردود الفعل على الدعوة إلى تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد بالانفعال والتوتر من ردود الفعل هذه الرسالة التي وقعها عدد كبير من أعضاء البرلمان الإيراني. والتي وصفت الدعوة الاتحادية، سواء تمحورت على العلاقات السعودية-البحرينية أو العلاقات الخليجية عموماً، “بالافتقار إلى الحكمة” .
فهل هناك من مبرر لمثل هذه الانفعالات إيرانية كانت أم عربية؟ قد يكون هناك بعض التبرير لو أن الغاية الأولى والأخيرة من هذا المشروع هي الإسهام في الحملة الأطلسية ضد طهران وضد برنامجها النووي، أو لو أن الغاية الوحيدة منه هي الضغط على إيران حتى تكف عن التدخل في الأوضاع العربية . ولكن للمرء أن يفهم هذا المشروع القديم والمتجدد في إطار مختلف، أي في ما يخرج عن إطار التوتر الراهن بين دول الخليج وإيران .
بصرف النظر عن الأوضاع القائمة في منطقة الخليج تحديداً، فإنه ليس غريباً أن تطل التوترات وعدم الاستقرار على أية منطقة في العالم تملك ثروات طبيعية كبرى تفوق حجم طاقاتها البشرية والسياسية والدفاعية . وكذلك فإنه من الطبيعي أن تزداد مبررات التوتر وأسبابه إذا كانت هذه المنطقة محاصرة من الشرق والغرب بقوى إقليمية تملك القدرة على التحرك خارج حدودها . وسواء كانت هذه القوى الإقليمية القوية ترغب أساساً في التوسع وفي بسط هيمنتها على الجيران، أو أنها قليلة الاهتمام بالتوسع والهيمنة، فإن قيام ميزان قوى يميل بشدة إلى مصلحتها على حساب دول وكيانات الجوار الصغيرة سوف يزين لها، في نهاية المطاف، التدخل في شؤون هذه الدول والكيانات والسعي إلى ضمها إلى مناطق النفوذ والزعامة الإقليمية .
إذاً، عندما نحلل العلاقات فإنه من المفيد أن نزيح الأنظار عن التصريحات والمواقف التي تصدر عن هذا الطرف أو ذاك، وأن ينظر المرء إلى هذه العلاقات من زاوية الوقائع والمعطيات الملموسة . إن دول الخليج بسبب حجمها-باستثناء السعودية- سوف تنظر بقلق إلى الجار الإيراني الذي يفوقها حجماً وقدرات عسكرية بمرات . أما الجار الإيراني، فإنه حتى ولو كان مقتنعا أساساً بأفضل وأكرم مبادئ حسن الجوار، فإنه معرض دوماً إلى “السقوط في الاغراء”، إغراء التدخل في الشؤون الداخلية لكيانات تمتلك ثروات طبيعية كبرى ولكنها، في الوقت نفسه، تفتقر إلى القدرات والمكونات الديموغرافية الكافية للدفاع عن نفسها ضد الجار القوي . هذه الإشكالية سوف تبقى مصدراً للتوتر المستمر في العلاقات بين الطرفين . وهذا التوتر سوف يبقى ثغرة ينفذ منها كل من يهمه إذكاء الصراعات بين الجارين لشتى الأسباب الجيوسياسية والاقتصادية . في هذا السياق، أين نضع الدعوة إلى تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي؟
إذا أخرجنا هذه الدعوة من إطارها الزمني وأبعدنا عنها ظلال الظرف الراهن المحيط بها، فإنه يمكننا القول إن تحول المجلس إلى اتحاد، جدير بأن يحسن ميزان القوى الخليجي لجهة المساواة بين العرب والإيرانيين، ومن ثم أن يدخل بعض الاطمئنان إلى دول الخليج العربي، وأن يوفر إطاراً أفضل للتعامل والتعاون مع طهران . كذلك يمكننا القول إن هذا التطور يسهم في تعزيز الاستقرار الخليجي، فيفيد الإيرانيين مثلما يفيد عرب الخليج، وبأنه جدير بالذين يريدون تنمية العلاقات بين الجانبين، بأن ينظروا إلى المشروع الاتحادي على أنه خطوة على هذا الطريق
وإذا شئنا أن تتعزز مثل هذه النظرة وأن تتوافر ظروف أفضل لكي يتحول المجلس إلى اتحاد، وأن تحقق هذه الدعوة هدفها في ضمان أمن الخليج واستقراره عربياً كان أم خليجياً، فإنه سوف يكون من المنطقي والضروري أن تربط هذه الدعوة بالأمور الرئيسة الآتية:
* أولاً، بالسعي الموازي إلى توطيد النظام الإقليمي العربي وتطويره، ذلك أن العمق العربي للخليج هو الذي يشكل ضمانة استقراره واستقامة العلاقة بينه وبين القوى الإقليمية والدولية المهتمة بنفط الخليج وثرواته وموقعه الاستراتيجي . ويخطئ من يظن أنه يستطيع استبدال العمق العربي بالتحالفات الدولية . لأن الحلفاء الأطلسيين أثبتوا في العراق وأفغانستان، كما في مصر وتونس، أنهم على استعداد للتخلي عن الأصدقاء والحلفاء المحليين إذا ما اقتضت الظروف .
* ثانياً، بأن المشروع الذي يريد صيانة أمن الخليج من التحديات، يرى التحدي “الإسرائيلي” أكبر هذه التحديات وأخطرها . ف”إسرائيل” التي تتفوق في ميادين الصراع العسكري والاقتصادي والسياسي على سائر الدول العربية مجتمعة، تُعَدّ علناً ومن دون مواربة، كما تدلنا وقائع كثيرة مثل موقفها من قضايا النفط والغاز والمياه في الأراضي العربية المحتلة، أنها كيان توسعي . هذه التأكيدات مهمة لأنها تجدد الصلة بين القضيتين العربية والفلسطينية، وتوفر أساساً للتمييز بين ذلك النوع من الجيران الذي يتوسل القضية الفلسطينية لتعزيز مكانته الإقليمية على حساب العرب، وبين الجيران الذين يمحضون القضية الفلسطينية تأييدهم الحقيقي ويرغبون في التعاون مع العرب لدعمها ونصرتها .
* ثالثاً، بالعمل من أجل تسريع وتعميق عملية الإصلاح السياسي والاجتماعي في المنطقة . هذا المنحى سوف يعزز مناعة المنطقة العربية ويقنع الجيران وغير الجيران بضرورة احترام السيادة الوطنية على الأراضي العربية، ومن ثم يساعد على استقرار الخليج وحسن العلاقة بين شعوبه وحكوماته .
صحيفة الخليج الإماراتية