تحليل سياسي لمواطن سوري : سورية في صورة الغزالة!

وجد السوريون أنفسهم، في مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة، في مواجهة حرب لم يكن يخطر ببال أحد منهم أنها ستشتعل في أجسادهم، فتلهب حريقا واسعا، ولن تتمكن كل قوى الأرض من إطفائه!!

كان كل سوري، وفي كل موقع من مواقعه يرقب مايجري من حوله باطمئنان، فالرئيس بشار الأسد عرضت صورته في باريس، وهو يقطع المسافة بين مكان إقامته وبين قصر الإليزيه سيرا على الأقدام، ثم وهو يتجول في أحد الشوارع الفرنسية باطمئنان، وهذا الاطمئنان مرده إلى أن اللغة التي يتخاطب بها مع العالم قادرة على نسج علاقات طيبة سلسة حتى مع أولئك الذين يريدون لسورية أن تكون تحت جناحهم !

لم تكن أمريكا، في مطلع تلك الألفية تبني على الضغائن التي تحملها للرئيس السابق حافظ الأسد فتستخدمها في محاربة الرئيس الجديد الشاب، بل أرسلت وزيرة خارجيتها مادلين أولبرايت للتعزية بوفاة الرئيس السابق، وكان الرئيس بشار الأسد قد درس في بريطانيا، ويعرفه البريطانيون كطبيب عيون يدرس بدأب ودوت ضجيج ليعود إلى بلاده طبيبا ناجحا بعيدا عن السياسة..

في وقائع السنوات الأولى بعد العام ألفين، ورغم تلك الرسائل التي حملها أحداث الحادي عشر من أيلول وسقوط النظام العراقي والتي كانت تنبئ بغيوم سود على سورية، رغم ذلك اندفعت سورية بعلاقات وطيدة مع الجوار وصلت في مرحلة من مراحلها إلى عقد قمة في استانبول لإقامة اتفاقية البحار الخمسة التي تؤسس لتعاون اقتصادي على غاية الأهمية..

لم ينتبه أحد إلى الأثر المستقبلي لما حصل في لبنان في 14 شباط عام 2005 وتداعياته ، فقد كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري أحد أهم المنعطفات في الحدث السوري المعاصر، لأن ضعف سورية كما يعرف الجميع يأتي من لبنان !

كان السوريون ببساطة مشغولين بهذه المعطيات بعيدا عن التشاؤم، يعيش المواطن بيسر فالحياة رخيصة، وإن كانت الأجور قليلة.. وتكاليف الحياة مقبولة وممكنة بدءا من تكاليف المدارس ووصولا إلى ارتداء الثياب إلى الماء والطعام والدواء وحتى السفر..

على صعيد البنية الاقتصادية والاجتماعية والدينية كان المسلمون بكل طوائفهم يؤدون طقوسهم براحة واحترام وكان المسيحيون يزينون بيوتهم في مهرجانات سنوية يشاركهم فيها المسلمون، وكان اليهود المئة الباقون في سورية يعملون بهمة ونشاط وكأنهم باقون إلى الأبد، أما الدولة ، فقد وقعت في ثقة في النفس مبالغ فيها حيث لم تحدّث تعاملها مع الناس : هم راضون، ونحن راضون، وياجبل ما يهزك ريح!

عندما جاء (( وحش )) الربيع العربي ، كان في جعبة الجميع سؤال عن سورية، ولم يكن من السهل توقع ما يمكن أن يحصل، وعرض تلفزيون البي بي سي ندوة سياسية عن ماهو متوقع في الشأن السوري، قال فيها أحد المحللين من دمشق : إن الشعب السوري لايريد ثورة ولايحزنون ، أما الطرف الآخر في الندوة فكان يهدد بأن 15 آذار 2011 قادم وأن الثورة التي ستقوم ستحاسب الحكم القائم وتحكمه بمحاكمة عادلة !

يالها من لحظة تاريخية عاشها السوريون بدهشة .. فما الذي سيحصل في سورية، وقد خبرت سورية عددا كبيرا من الانقلابات، ولا تخاف منها . فبنية الجيش وقوته واتساعه أضحت أقوى من أن يزحزها أحد الضباط الطامحين في السلطة حتى لو امتلك كارزيما وشعبية عبد الناصر، وهذا يعني أن أحدا لايتوقع انقلابا في سورية في 15 آذار!

كذلك فإن طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية تشير إلى رخاوة بقايا البرجوازية التقليدية وتشتتها واتساع البرجوازية الوسطى التي من مصلحتها استمرار الوضع كما هو، أما الطبقة العاملة والفلاحين فقد جندتها شعارات الأحزاب الموجودة في سورية وصار الحديث عن الطبقات والاشترااكية حكرا بهما ، فمن سيقوم بالثورة إذا ؟!..

كان كل شيء يشير إلى عدم إمكانية حصول تغييرات دراماتيكية كما هو الحال في تونس ومصر واليمن وليبيا ، وكان أقسى ماهو متوقع هو اضطرابات متنقلة قد تتصاعد فتؤدي إلى شكل من أشكال الحل، أو أنها ستقمع..

الذي حصل أن الاضطرابات حصلت، لكن أحدا لم يكن يتوقع أن تمتد الاضطرابات لتصبح حربا طاحنة تأكل الأخضر واليابس وتجعل الجيش السوري يتفرق إلى أكثر من مئتي جبهة ليخوض المعارك العاتية التي تجاوزت في خسائرها وضراوتها الحروب السابقة لذلك التاريخ وهي حروب يعرف العالم ضراوتها.

كانت النتيجة ببساطة : خروج الجيش السوري من التوازن المفروض في الصراع العربي الاسرائيلي، بل وكانت النتيجة أخطر أنواع الهزال التي ضربت المجتمع السوري، فراحت كل جهات الأرض تنهش فيه ..

ومع كل يوم يمضي في هذه الحرب، كانت سورية تخسر، وتضعف، وتتراجع .. وكان السوريون يدفعون الثمن من شبابهم وأرضهم وأموالهم وثرواتهم .. لم يعد الموطن السوري يصدق الفضائيات العربية، ولم يعد يصدق المحطات المحلية ..

لم يعد يصدق التحليل السياسي لا المؤيد ولا المعارض. كان الأمل يتضاءل .. وكان اليأس يدفع بالناس إلى الرحيل ، تماما كما حصل في تغريبة بني هلال.. كيف نقرأ السنوات الست من الحرب التي مرت في سورية ؟!

أمس .. سألني أحد المواطنين :

ماذا حصل، وما الذي سيحصل ؟ وأضاف : الحسكة وجرابلس والدير والرقة وادلب ودرعا ..

قلت له: صراع مرير، يذهب إلى المصالح الاقليمية وحتى العالمية !

ضحك المواطن وقال لي : لا .. يا أستاذ !

فاجأني رده، فسألته : طيب قل لي أنت .. ما الذي يجري؟!

قال لي : هل شاهدت أفلاما عن وحوش الغابات ؟! فأجبته : نعم !

هز رأسه، وقال : سورية مثل الغزالة التي يطاردها الضباع أو الذئاب .. انتظروها حتى تعبت، ثم بدؤوا بنهش جسدها ..

وغدا ستشاهد الغربان يريدون حصة من بلادنا، تماما كما يحصل مع الغزالة التي تقع ..

فلذت بالصمت ، وقد انتابني خوف كبير على الغزالة!

ملاحظة : جواب المواطن حرفي !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى