تدهور العائدات النفطية يضع الاقتصاد الليبي على شفير الانهيار
وصل الاقتصاد الليبي الى شفير الانهيار في ظل النزاعات السياسية والعسكرية التي تشهدها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي، والتي تمنعها من استغلال احتياطاتها النفطية الهائلة. ويعاني الليبيون من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، فيما اشار البنك الدولي الى “تراجع هائل في القدرة الشرائية” مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 31% في النصف الأول من السنة. وبعدما استأثر بالسلطة 42 عاماً، ترك القذافي البلاد تعاني من بنى تحتية متقدمة واقتصاد يعتمد كلياً على النفط ويد عاملة قليلة الكفاية.
ومع خروج الشركات الأجنبية، تدفع ليبيا اليوم ثمن هذه المقوّمات الضعيفة، وقد ساهمت النزاعات التي شهدتها في الأعوام الأخيرة في تفاقم الوضع الاقتصادي. وحذّر البنك الدولي في الآونة الاخيرة من أن “الاقتصاد الليبي ينهار”، راسماً صورة قاتمة عن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في هذا البلد. ومن ابرز اسباب التدهور الاقتصادي انهيار الانتاج النفطي الذي يوفر لليبيا أكثر من 95% من عائداتها، وقد توقف في ظل النزاعات المسلحة التي تهزّ هذا البلد منذ ثلاثة اعوام. ولم تعد الحقول النفطية تنتج حالياً سوى خِمس قدراتها، اي بمعدل 335 الف برميل في اليوم فقط في النصف الأول من السنة.
وهذا التدهور في الانتاج، مقترناً بالهبوط الحاد في أسعار النفط منذ 2014، جعل “الاقتصاد يتخبّط في الركود منذ 2014″، بحسب البنك الدولي الذي يتوقع ارتفاع العجز في الميزانية العامة الليبية إلى “مستويات تاريخية”. وقال مدير المؤسسة الوطنية للنفط الليبية مصطفى صنع الله ان الخسائر المتراكمة على صعيد العائدات النفطية تقدر بأكثر من مئة مليار دولار (91 مليار اورو) منذ مطلع 2013.
وتراجعت عائدات القطاع النفطي إلى أدنى مستوياتها التاريخية، محقّقة نحو 2,25 ملياري دولار (2,05 ملياري أورو) خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة، بحسب أرقام البنك الدولي. وبالمقارنة، كانت المبيعات النفطية الليبية قبل ثورة 2011 تدر 50 مليار دولار في السنة مقابل انتاج مقداره 1,6 مليون برميل في اليوم. وبعدما توقف انتاج النفط تقريباً عام 2011، عاد خلال بضعة أشهر الى مستوى يكاد يوازي كميات ما قبل الحرب، لكنه سجل من جديد هبوطاً حاداً اعتباراً من العام 2013 بسبب أعمال العنف في مناطق المرافئ النفطية في شمال شرق البلاد. وتحسن الوضع الأمني مع سيطرة القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر على المرافئ النفطية.
ومع عودة الهدوء استؤنفت حركة تصدير النفط، في تطور وصفته المؤسسة الوطنية للنفط التي تسعى الى البقاء محايدة، بأنه “ايجابي”. غير أن البنك الدولي لا يتوقع استعادة الانتاج قدرته القصوى قبل سنة 2020 في انتظار أن يتم اصلاح البنى التحتية التي تكبدت اضراراً فادحة. وبغية سدّ العجز، تستخدم السلطات احتياطات العملات الاجنبية التي تقلصت من 107,6 مليارات دولار عام 2013 إلى 43 ملياراً سنة 2016، وفق أرقام البنك الدولي. ومع المضاربة والقيود المفروضة على صرف العملة، دخل الاقتصاد الليبي في حلقة مفرغة ونشطت السوق الموازية التي لجأ إليها الليبيون لعقد كل صفقاتهم التجارية تقريباً، بعدما فقدوا ثقتهم بالمصارف.
وأدى هذا الوضع المزري الى إفراغ رفوف المتاجر، إذ عمد التجار إلى الحد من البضائع المستوردة خشية تكبّد خسائر في سوق عملات متقلّب جداً. وحذّر أحد رؤساء الشركات التي ما زالت تعمل في طرابلس بأن “الوضع قد يتفاقم أكثر اذا لم يتم إيجاد حل سريع لمشكلة السيولة”.
صحيفة النهار اللبنانية