تراجع واشنطن والرياض عن خلافاتهما (سمير كرم)

 

سمير كرم

شئنا أو لم نشأ، فإن أي اتفاق او اختلاف بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لا بد أن ينعكس على الوطن العربي. وشئنا أم لم نشأ ايضاً فإن حجم الاختلاف الاخير ـ قبل اللقاء بين الملك السعودي والرئيس الاميركي ـ لم يسبق له مثيل منذ زمن طويل. أو إذا شئنا قدراً أكبر من الدقة فإن المقصود هنا هو الخلاف العلني. فكثيراً ما اختلف هذان الحليفان من قبل ولكن في السر وليس في العلن.
والمهم ان نلاحظ هذه المرة أن حجم الخلاف او الخلافات كان كبيراً هذه المرة قبل ان يقضي عليه هذا الاجتماع، بكل ما رافقه من علنية تركزت على رغبة الطرفين في القضاء على هذا الخلاف أكثر مما ركزت على أي شأن آخر. وإذن فقد أمكن للسعودية وأميركا في هذا اللقاء بين العاهل والرئيس أن يقضيا على خلافاتهما في معظمها في اجتماعات لم تستغرق أكثر من ساعات. وهذا لا يعني ان الدولتين الصديقتين كانتا على قدر ضئيل من الخلاف. لقد تناول الخلاف بينهما قدراً كبيراً من المسائل المتصلة بسياساتهما الخارجية المشتركة، ولكن سرعة الانتهاء منها هو ما يلفت النظر ويستوجب الاهتمام.
وأكثر ما يلفت النظر هو ان المسألة الاولى للخلاف بين السعودية وأميركا كانت تتعلق بالدرجة الاولى بسوريا. وقد امكنهما القضاء على الخلاف بالاعلان بأن أميركا قدمت ما يمكن اعتباره اول وأهم التنازلات في المفاوضات عندما أوضحت انها قررت ان تصعد تدخلها في سوريا بعد ان كان مسار القتال في الميادين السورية قد أقنعها بأن تنسحب تدريجياً من التدخل في سوريا. وهو ما بدأته في شهر ايلول الماضي. وكان التدخل الاميركي في سوريا يتخذ شكل تمويل وتسليح المعارضات السورية المتعددة بعد أن تبين أن جوانب من هذه المعارضات كانت قد اختلفت مع بعضها بعضاً، بل إنها غيرت مواقفها من النظام السوري. وعندما قررت الولايات المتحدة أن تسحب دعمها وتأييدها للمعارضات السورية، لاعتبارات لا تتعلق أساساً بالوضع الداخلي السوري ولكن بالتناقض بين التنظيمات المعارضة، فإن اول انعكاس لهذا التراجع الاميركي بدا في الموقف السعودي.
إن من اليسير أن تتقبل السعودية خلال المحادثات مع الرئيس الاميركي ما أكده باراك أوباما عن ان بلاده اصبحت مستعدة لأن تتوسع في ما تقدمه من مساعدات مغطاة (أي سرية) وكذلك من تدريبات عسكرية للمعارضة السورية. وقد تعرضت المناقشات بين العاهل السعودي والرئيس الاميركي لتفصيلات المستقبل القريب لهذه المساعدات الاميركية للمعارضة السورية وفقاً لما قاله الصحافي الأميركي المطلع ديفيد ايغناسيوس، ومما افصح عنه ان الولايات المتحدة تعهدت في محادثاتها مع السعودية بأن تمارس نفوذها على الحلفاء الاوروبيين ايضاً بالسير في عكس الاتجاه الذي كانت قد قررته من قبل، وذلك بأن تعود الى مطالبة هؤلاء الحلفاء بتزويد المعارضات السورية بالدعم المالي والاسلحة. ونقل ايغناسيوس عمن وصفهم بالمسؤولين العارفين في المخابرات الاميركية ان برنامج المساعدات الاميركي الجديد للمعارضة السورية يشمل «مضاعفة أعداد المقاتلين السوريين (المقصود بهم السوريون ومن يحاربون في صفوف المعارضة السورية من جنسيات أخرى) في المعسكرات المتاحة لهم في الاردن وشمال السعودية وقطر». كما نقل عنهم ايضاً «خطة جديدة لوضع وكالة المخابرات المركزية الاميركية لا العسكريين الاميركيين موضع المسؤولية عن برنامج تدريب المعارضة، والتركيز على المواجهة مع نظام الأسد السوري».
وتضمنت الاتفاقات الجديدة بين السعودية وأميركا، بحسب الصحافي الاميركي باتريك مارتن، «تزويد السعودية بعدد محدود من أجهزة إطلاق الصواريخ المضادة للطائرات على اساس اختباري لاستخدامها ضد طائرات الهيليكوبتر والطائرات القادرة على التحليق المنخفض التي تستخدمها القوات السورية». وبالمقابل تم الاتفاق بين الملك السعودي والرئيس الاميركي على حظر تقديم المساعدات العسكرية للمعارضة متمثلة في «دولة العراق» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام». ويضيف باتريك مارتن ان قطر، التي كانت تزود هذه المجموعات في السابق بالمساعدة، وافقت بدورها على ما اصرت عليه السعودية والولايات المتحدة عن التوقف عن ذلك، تمشياً مع السياسات الجديدة التي تم الاتفاق عليها بين السعودية وأميركا.
وبشكل عام فإن معلومات الاميركي ايغناسيوس تفيد ان السعوديين والاميركيين اتفقوا على «التوصل الى تسوية ديبلوماسية في سوريا، وأن التوصل الى مثل هذا الهدف يقتضي الآن تصعيد الصراع عسكرياً داخل سوريا». وقد وعد اوباما العاهل السعودي بتزويد المعارضة السورية بشحنات من الأنظمة الدفاعية الجوية الجديدة. وبارك العاهل السعودي قراراً اميركياً آخر بإدخال اجهزة محمولة لإطلاق الصواريخ الى داخل سوريا.
وتفيد المصادر الاميركية ان المعلومات التفصيلية التي تضمنتها اتفاقات الملك السعودي والرئيس الاميركي كانت قد نوقشت بصورة تفصيلية وتم الاتفاق عليها في محادثات سبقت اجتماع الرئيس أوباما والملك عبدالله في السعودية يومي الجمعة والسبت الماضيين. وقد عقد هذه المحادثات كل من الاميركيين تشاك هاغل وزير الدفاع وجون كيري وزير الخارجية. وقد أبلغت المعارضة السورية في اتصالاتها المستمرة مع المسؤولين الاميركيين المذكورين لكي تتوقع هذه النتائج من محادثات العاهل السعودي والرئيس الاميركي. وتعتقد هذه المصادر الاميركية ان الولايات المتحدة وافقت على هذه التطورات في تسليح المعارضة السورية ـ بعد ان كانت قد قررت الحد منها ـ نتيجة للأزمة الجديدة مع روسيا المتمثلة في مشكلة أوكرانيا وليس نتيجة اية تطورات داخل سوريا.
وقد صدرت معلومات جديدة عن الموقف الاميركي الجديد في ما يتعلق بالشأن السوري من المصادر ذاتها، وتفيد ان الحكومة الاميركية تريد ان تستخدم سياستها تجاه ايران على نحو يؤكد رغبة واشنطن في الضغط على الجانب الايراني بهدف حمله على الابتعاد ولو نسبياً عن مساعدة الجانب السوري الرسمي ضد المعارضة. وقد صار في حكم المؤكد ان الجانب الايراني قاوم بشدة هذا الجانب في اتصالاته مع الجانب الاميركي، مؤكداً ان ايران مستمرة في مساعدة وتأييد الجانب السوري أياً كان الموقف الاميركي في ما يتعلق بتطوير العلاقات مع ايران. في الوقت نفسه أكدت السعودية انها لم تناقش ـ وهو ما تعهدت به من قبل ـ مع الرئيس الاميركي مسألة الوضع الداخلي السعودي الذي كثيرا ما وصفته المصادر الاميركية بأنه «وضع داخلي قهري». كما أكدت المصادر السعودية ان اية مناقشة بين رئيس أميركا وملك السعودية لم تتناول ما كانت تلح عليه الولايات المتحدة من قبل حول ضرورة البحث في انهاء التدخل العسكري السعودي في البحرين بعد التطورات التي ابدتها المعارضة البحرينية ضد النظام الحاكم.
وكانت الحكومة السعودية قد اصدرت بياناً بتجريم العضوية في عدد من المنظمات المعارضة ـ بينها تنظيم الاخوان وتنظيم القاعدة ـ وأعلنت وزارة الداخلية السعودية مرسوماً يفرض «عقوبات قاسية على اي مواطن سعودي يمكن ان يلجأ طوعياً الى محاربة العربية السعودية ويحمل السلاح ضد نظامها الملكي».
والسؤال الآن هو الى متى يمكن ان يستمر هذا النوع من الاتفاق على نفي الاختلاف؟ هل يستمر ما دام العاهل السعودي (89 سنة) على العرش، ام يستمر ما دام النظام الاميركي في الحكم ديموقراطياً أو جمهورياً؟ وأيا كانت الإجابة فإن استمرار السياسة الاميركية – السعودية ضد ايران وضد القوى المناهضة للنفوذ الغربي على المنطقة يبقى العامل الاساسي. واستمرار هذه السياسة بوجهيها مرهون بلا شك ببقاء النظامين الاميركي والسعودي وتعاونهما في مجال توجيه التغيير.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى