أحوال الدنيا

ترامب ضيع نوبل. والجائزة تستجير به وتعول عليه!!

د. فؤاد شربجي

خسر ترامب جائزة نوبل للسلام بسبب ثرثرته وأدمانه اللعي والحكي الفاضي، وبسبب أسلوبه المفرط بالتجارية في الحكم والسياسة. هذا حسب ما تسرب عن لجنة نوبل. الثرثرة واللعي والحكي الفاضي كانت بإعلان نيته ضم جرينلاند وبورما وكندا. إعلان استعماري امبريالي امبراطوري وعدواني. اما عن أسلوب حكمه المفرط بالتجارية فكان باعتماده مبدأ الصفقات وفن الربح والخسارة بغض النظر عن القيم والقوانين الدولية. وما قصة التعريفات الجمركية إلا مثال على تجارية سياساته التي دفعت لجنة نوبل لتتراجع وتحجم عن منحه جائزتها للسلام حرصا على ما تبقى من سمعتها. خسر ترامب نوبل بسبب اللعي وطولة اللسان والحكي الفاضي. وبسبب إنزاله السياسة إلى درك التجارة سطحية الأرباح.

‏ترامب ضيع نوبل السلام لكن الجائزة وبمجرد إعلانها رفعت الصوت مستجيرة به وبرئاسته وسياساته. وها هي ماريا كورينا ماتشادو التي حازت الجائزة تقول في أول ما تقوله (نعول على ترامب أكثر من أي وقت مضى). الجائزة تعول على ترامب. إنها تستجير بترامب وتجعله منقذ العالم من جديد. ماريا كسبت نوبل السلام بسبب (عملها الدؤوب في تعزيز الديمقراطية لشعب فنزويلا)، وعملها الدؤوب هذا الذي تحدثت عنه لجنة نوبل هو ضد حكم مادورو. حيث شكلت هذه المهندسة الصناعية وعضوة الجمعية الوطنية أقوى معارضة لمادورو ونظامه. ورغم ان الرئيس الفنزويلي حكم عليها بالمنع من الترشح للانتخابات في العام 2024  إلا أنها دفعت بأحد أعوانها ادموندو غونزاليس وأربكت جماعة مادورو واضطرته لتزوير النتائج كي لا يخسر الرئاسة. وعندما حاول القبض عليها اختفت لأكثر من 14 شهرا. ماريا ماتشادو وبسبب قوة معارضتها ووضوح مطالبها المعبرة عن شعبها لقبت بـ (تاتشر فنزويلا) خاصة وانها شكلت أقوى معارضة لمادورو الذي يشن ترامب عليه حربا شاملة ويريد إسقاطه وإسقاط نظامه.  ومنح لأقوى معارضة لمادورو ما هو إلا خطوة إضافية تصب في مسار ترامب ضد الرئيس الفنزويلي ونظامه، بدءأ من العقوبات إلى الحصار إلى استهداف السفن الفنزويلية مؤخرا باعتبارها إرهاب مخدرات. كل ذلك جعل البعض يعتبر أن لترامب يد في منح ماريا ماتشادو الجائزة. علما أن شخصا كترامب لا يمكن أن يخسر جائزة كنوبل من أجل أي أمر آخر مهما كان. ورغم ذلك فإن الحقيقة واضحة. خسر ترامب نوبل وربح الجائزة كسلاح عالمي ضد مادورو ونظامه.

‏من المفارقات حول نوبل للسلام أن أول وأقوى تعليق ضد حرمان ترامب من الجائزة جاء من الرئيس بوتين في تعليق واضح (قرار لجنة نوبل أضر بهيبة الجائزة) معتبرا أنها (منحت لمن لم يفعل شيئا للسلام). كما أن من مفارقات نوبل للسلام أن هناك في التاريخ من طالب بمنحها للزعيم النازي هتلر في ثلاثينيات القرن العشرين. وآخرون طالبوا بها لدكتاتور روسيا ستالين ولزعيم إيطاليا الفاشي موسوليني. كما أن العالم يتذكر كيف منحت الجائزة لأوباما قبل أن يفعل أي شيء. ومعه حق ترامب أن ينزعج من عدم منحه الجائزة خاصة وأنه قام بعمل معجز بإيقاف الحرب في غزة. وقد قال الصحفي الإسرائيلي البارز ناحوم برينياع (إذا أستطاع ترامب تنفيذ جميع بنود خطته في غزة. فإنه لا يستحق جائزة نوبل للسلام فقط بل يستحق جوائز نوبل للكيمياء والفيزياء والفلك والطب وغيرها أيضا). والمفارقة الأكبر حول الجائزة. ما قاله الصحفي الأميركي الشهير توماس فريدمان عندما دعا الرئيس ترامب أن يستلهم من خطته في غزة خطة للداخل الأمريكي توقف الصراع السياسي المحتدم فيها وتقيم السلام بين أطراف الشعب الأمريكي مستعيذا الوحدة الوطنية الأمريكية. واعتبر فريدمان أن ترامب في حال قيامه بإعادة توحيد الشعب الأمريكي سينال ما هو أكبر من نوبل. سينال جائزة التاريخ توحيد الشعب واستعادة الوحدة الوطنية للشعب، والحرص على وطنية الشعب قوية موحدة. أكبر إنجاز يفعله أي زعيم أو رئيس. فهل يفهم القادة دورهم ومسؤوليته هذه أمام التاريخ
وأمام شعوبهم. أم السلطة والكرسي يلطش الرئيس في عقله ويخل بتوازنه ويعمي بصره وبصيرته. والأهم أنه يخلق له من أعماله معارضة تلبسه العار وهي تسعى لإسقاطه. كما فعلت وتفعل حائزة على نوبل للسلام ماريا ماتشادو تاتشر فنزويلا.

‏خسر ترامب نوبل فهل يربح توحيد شعبه كما طالبه فريدمان. الخسارة الحقيقية ليس في تضيع الجائزة، بل في تضييع وحدة الشعب وهدر هويته الوطنية. والخسارة الأكبر تقسيم المجتمع وإشعال الصراع فيه ودفعه للانتحار التاريخي.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى