ترحيل الحلول

تشير الأخبار الساخنة في الفضائيات الملونة إلى غياب الحسم في كل الأزمات المستعجلة في خرائط الطرق والدروب الملتوية الموحلة أمامنا، مع أن كل مواطن عربي يستطيع أن يرسم خريطة طريق خاصة به، ولكنه ليس حراً في تقرير مصيره، فالأحداث الكبرى تضعه في عين العاصفة، من دون أن يدري إلى أين تسوقه الأقدار، والحلول المطروحة كلها في حالة استعصاء، فهي بعيدة أو منقوصة أو مرحلة إلى المستقبل الغامض. ويبدو عنصر الزمن مائعاً ومعلقاً في الساعات المعطلة التي رسمها سلفادور دالي، وهي حلول افتراضية لا تجدي معها العمليات القيصرية، ولا تغيير التحالفات في الداخل والخارج، فالمشكلات نفسها تتسارع في تغيير جلودها واتجاهاتها.

أخبار الصباح المتفائلة تختلف عن أخبار المساء أو منتصف الليل، في النص والصورة، ويعود بعضها إلى المربع الأول، ويحمل بعضها الآخر مفاجآت اللحظة الأخيرة، كما حدث من إحباطات متكررة في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وآخرها كان في عودة المالكي من الشباك بعدما خرج من الباب مطروداً ومهزوماً، وأعلن أنه لا يريد أي منصب، وتراجع أخيراً، ليطلب منصباً رفيعاً يحميه من محاكمة عادلة.

الإحباط ينسحب على الساحة اللبنانية، بعد فتح جبهة عرسال، فتكررت إخفاقات الكتل النيابية في انتخاب رئيس للجمهورية، على مدى أكثر من ثلاثة شهور، وفي كل مرة تحمل إلينا القنوات اللبنانية حوارات مطولة متغيرة مع شخصيات بارزة غير متفائلة، بترحيل المشكلات والحلول، ولكن الأسئلة التي تتغير لا تجد أجوبة متغيرة.

في أجواء الحصار الطويل هذه لا يمكنك أن تتجاهل ما يحدث حولك، ولكنك تستطيع أن تجد شيئاً من التوازن مع الرعب، بالتهرب من نشرات الأخبار، والتواصل مع المحطات التي لم تعرفها من قبل، فقناة «المغربية» مثلاً تقدم في برامجها الصباحية ألواناً من الموشحات الأندلسية الأصيلة، والقناة الكورية الناطقة بالعربية الفصحى تقدم مسلسلات تاريخية تحمل خصوصية واضحة، أو مسلسلات عن الحب العنيف لدى الجيل الجديد، والقناة الفرنسية 24 تقدم في برنامج «أصوات الشبكة» حزمة من الفضائح المسكوت عنها في البلدان المتخلفة والمتحضرة معاً، في موضوعات اجتماعية وحقوقية ووقائع غريبة من التجاوزات وقمع الحريات. وتتجاهل قناة «الخرطوم» عودة ميليشيات الجنجاويد وجرائم الخطف والقتل والتهجير في دارفور، لتقدم برنامجاً فنياً يحتفي بالغناء السوداني المتميز عن كبار المطربين من أجيال مختلفة، مع أنهم لم يتمكنوا من تجاوز الفضاء السوداني، بسبب العزلة الوطنية القسرية. وفي السياحة الحرة بين الفضائيات يمكنك اكتشاف القليل من المحطات الجيدة، والكثير من المحطات الساذجة، وهكذا تستطيع، أنت أيضاً، ترحيل مشكلاتك الشخصية وحلولها إلى المستقبل الغامض.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى