تركيا تخسر الاتحاد الأوروبي وتجني ثمار الاتجاه شرقاً

 

 أكد مراقبون اقتصاديون دوليون أن الثمار التي جنتها تركيا بعد فشلها في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، جعلها تتجه شرقاً لتعميق علاقاتها الاقتصادية بدول الجوار.
وصنفت تركيا على أنها نقطة تجارية فريدة كدولة اوروبية، ولم تخطط لتكون دولة من الدول الآسيوية الناشئة بما لها من موقع متميز في الشرق الأوسط.
ومضت تركيا التي قضت معظم القرن العشرين تبحث عن العضوية الأوروبية وواجهت الرفض في كل مرة طوال هذه الفترة في إعادة استكشاف علاقاتها التجارية القديمة مع جيرانها في الشرق، ثم ثبت لها أن الاتجاه شرقاً أكثر حكمة، حيث تغرق أوروبا حالياً في دوامة التقشف بعد سلسلة طويلة من الركود، بينما تسبب ارتفاع أسعار النفط عالمياً إلى 100 دولار للبرميل في إحداث قفزة اقتصادية في الدول العربية الغنية بالنفط.
وعلى الرغم من أن العلاقات التركية بالدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرت بعدة مراحل متقلبة بين الاختلاف والتقارب، فإن الثابت في علاقاتهما الثنائية هو انعدام ثقة كليهما بالآخر، وهو السبب في إنهاء فرص التقارب الشديد بين الطرفين في كل المناسبات، على الأقل حتى الوقت الراهن.
ودفع الطموح لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي تركيا إلى إجبارها على اتخاذ مواقف متناقضة تجاه جيرانها العرب، إلا أن هذا تغير في عام 2001 عندما جاءت الحكومة التركية الجديدة لمقاومة سياسات الوضع الراهن وانتهاج سياسات جديدة في التعامل الحاسم، وهي السياسات التي نجحت في جعل تركيا لاعب اقتصاديا رئيسياً في منطقة الشرق الأوسط.
وقفزت الاستثمارات التركية في منطقة الشرق الأوسط بمقدار ستة أمثال لتصل إلى أكثر من 30 مليار دولار خلال عشرة أعوام، وهي الفترة التي شهدت أيضاً ارتفاع نصيب الفرد من الدخل في تركيا بمقدار ثلاثة أمثال، وتمتعت تركيا بمعدلات نمو كبيرة كتلك التي شهدتها "النمور الآسيوية".
وتوسعت في تجارتها مع دول المنطقة لتشكل حالياً خمس حجم تجارتها الخارجية، كما ارتفعت معدلات استثمار دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تركيا لتصل إلى حوالي 10% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها.
وكان حجر الزاوية في سياسات تركيا الجديدة هو ما عرفه وزراء خارجيتها على أنه "صفر مشاكل مع دول الجوار"، وهو ما ردت عليه تلك الدول بكرم وفير خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تمكن العديد من الشركات التركية من توقيع عقود بخطط استثمارية وصل حجمها إلى 20 مليار دولار تقريباً مع بعض الشركات الكبرى للإنشاءات والبني التحتية في دول الخليج العربي، وتضمنت هذه الصفقات عقداً بقيمة 2.1 مليار دولار أبرمته شركة "يابي ميركيزي" التركية للإنشاءات وذلك للعمل على إنشاء شبكة خطوط القطار فائق السرعة "الحرمين" في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى عقد بقيمة 800 مليون دولار أبرمته شركة "بايتور" التركية للإنشاءات للعمل في مشروعات إنشاء مدينة طبية ومستشفى جامعي بمدينة طلاب جامعة الملك خالد في السعودية.
وأكبر مثال على هذه الشراكة الإقليمية الجديدة ما شهده شهر يونيو/حزيران الماضي من فوز التحالف "كونسورتيوم" الذي تقوده شركة "تاف انسات" التركية إلى جانب شركتين من كبريات الشركات الإنشاءات العربية وهما "ارابتيك" القابضة واتحاد المقاولين "سي سي سي"، بمشروع إنشاء المبنى الرئيسي الجدي بمطار أو بظبي الدولي في صفقة بقيمة 3 مليارات دولار وهو أكبر عقد إنشاء أبرمته الإمارات العربية المتحدة في تاريخها.
وتمتلك شركات الإنشاءات التركية بعض المزايا المتأصلة لديها عندما تنافس على عقود الإنشاءات بمنطقة دول الخليج العربي مقارنة بمنافسيها الدوليين، وهو ما يعني أن هذا الاتجاه من النجاح سيتواصل، وتكمن الميزة التنافسية في هذه الشركات التركية في قدرتها على تطوير معدلات جودة منتجاتها بشكل جيد مقارنة بنظرائها العالميين إلا أن منتجاتها تظل أقل تكلفة ، ويعد التقارب الجغرافي والثقافي بين تركيا ودول الخليج داعماً مهماً لها في تقليص التكلفة.
وأصبحت المسلسلات التركية الوافرة تشاهد بمعدلات ضخمة في الدول العربية من المغرب وحتى العراق، حيث يوقف ملايين العرب يومياً كل ما يتعلق بحياتهم من أجل متابعة آخر حلقات المسلسل الذي يتابعونه.
وعلى الرغم من الربيع العربي الصاخب الذي اجتاح بعض الدول العربية خلال الأشهر الـ 18 الماضية وأطاح بالعديد من الرؤساء والحكومات، لكن هذا لم يعطل من التغلغل التركي في المنطقة، وإذا كان شيء قد حدث فهو العكس، حيث سمحت تلك الأحداث العديد من الشركات التركية بإظهار التزامها طويل الأجل لشركائها في المنطقة.
ونتائج مثل هذا التقارب تظهر مثلاً في سرعة إيجاد المصدرين التركيين طرقاً جديدة لإيصال منتجاتهم إلى أسواق الخليج المربحة، حيث تغادر سفن الشحن الضخمة تركيا لنقل بضائعها عن طريق قناة السويس.
وسيتيح استخدام مصر كمركز للخدمات اللوجيستية ستتمكن الشركات التركية من رفع صادراتها إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعدلات كبيرة، حيث تخطط تركيا لإنشاء مركز خدمات لوجيستية في الإسكندرية وعلى ساحل البحر المتوسط حتى تتمكن مواصلة رفع صادراتها إلى دول الخليج العربي وإلى أفريقيا أيضاً، وبالإضافة إلى ذلك تخطط الحكومة التركية إلى إنشاء مركز لوجيستي آخر بالقرب من الحدود الليبية.
ولأن تركيا واحدة من كبريات الدول المستوردة للطاقة، باعتبارها تستهلك ما قيمته حوالي 60 مليار دولار من النفط والغاز سنوياً، وهو ما يشكل ثلثي العجز الحالي في الموازنة التركية، أصبحت عملية تأمين الطاقة واحدة من أكثر السياسات الحاسمة والمهمة للحكومة التركية، وهو ما ترجم إلى المشاركة في إنشاء العديد من مشروعات الطاقة المتعلقة بها مثل مشروع إنشاء خطوط أنابيب نقل الغاز م كردستان العراق إلى تركيا، وعززت هذه السياسات من حاجة تركيا إلى علاقات تجارية أكثر قرباً من جيرانها العرب تأمينا لاحتياجاتها من الطاقة.
وقد يكون ملف الطاقة هو الرابط الأساسي في الشراكة الجديدة حيث تحتاج تركيا إلى النفط وتحتاج الدول المصدرة للنفط إلى تأمين طرقها لنقل صادراتها إلى أوروبا والعالم، والتي تمر معظمها عبر مضيقي البسفور والدردنيل التركيين، بالإضافة إلى أنابيب نقل الغاز التي تمر بالأراضي التركة، ولذلك تعد العلاقة بين تركيا ودول الشرق الأوسط استراتيجية خاصة في مجال الطاقة.(وكالة الصحافة العربية)

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى