تركيا تلمّح إلى تعديل دستوري لفتح صفحة جديدة مع الأكراد

مستشار للرئيس التركي يؤكد أنه بعد حلّ حزب العمال الكردستاني وإلقاء سلاحه، أصبح المجال مفتوحا أمام عملية ديمقراطية.
أعلن كبير المستشارين القانونيين للرئيس التركي أن المضي قدمًا في عملية السلام مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني يتطلب تعديلًا دستوريًا عميقًا، في وقت تسعى فيه أنقرة لإغلاق ملف الصراع الممتد منذ أكثر من أربعة عقود حيث اعتبرت الخطوة أول إشارة رسمية إلى تحوّل سياسي محتمل في التعامل مع المسألة الكردية.
وقال المستشار محمد أوغيوم، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس مجلس السياسات التشريعية بالإنابة، إن “دولة الشعب الكردي هي جمهورية تركيا، وتركيا هي وطن الشعب الكردي”، مؤكدًا أن الدولة لا تعتزم منح الأكراد وضعًا قانونيًا خاصًا، لكنها منفتحة على إعادة صياغة العلاقة الدستورية مع مكون أساسي في المجتمع التركي.
وجاء هذا التصريح بعد أشهر من إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه رسميًا في مايو/أيار 2025، إثر محادثات مع السلطات التركية جرت عبر حزب المساواة وديمقراطية الشعوب – ثالث أكبر تكتل في البرلمان التركي. كما بدأ الحزب عملية نزع سلاح رمزية في يوليو/تموز، ما فتح الباب أمام مرحلة سياسية جديدة من شأنها إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والأكراد.
ويشكل هذا التحول نهاية فصل دامٍ من الصراع المسلح، الذي بدأ في أوائل الثمانينات وأسفر عن مقتل عشرات الآلاف، وتسبب في حالة استقطاب سياسي وأمني مزمن داخل البلاد.
وربط أوغيوم أي تقدم في عملية التسوية بـ”صياغة دستور جديد يعكس الواقع المتغير في تركيا”، معتبرًا أن المرحلة الحالية تمثل “تحولًا ديمقراطيًا ثوريًا سيحدد مستقبل البلاد والمنطقة”.
وأوضح أن المطلب الرئيسي لحزب المساواة، وهو تعزيز حقوق الأكراد الذين يشكلون نحو 20 في المائة من سكان تركيا، يمكن التعامل معه “ضمن إطار قانوني جديد”، يسمح بتعديل تعريف المواطنة، بحيث لا يكون مبنيًا على الانتماء العرقي، بل على أساس قانوني شامل.
كما أشار إلى إمكانية إعادة توزيع السلطات على المستوى المحلي، وتعزيز صلاحيات الإدارات الإقليمية دون المساس بوحدة الدولة، ما قد يلبي مطالب الأكراد بشأن الحكم الذاتي المحلي في بعض المناطق ذات الغالبية الكردية.
ويُعد تغيير الدستور مطلبًا قديمًا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يعتبر أن الوثيقة الحالية – التي وُضعت عقب الانقلاب العسكري في 1980 – “لم تعد تلائم تركيا الحديثة”، رغم التعديلات التي أُدخلت عليها مرارًا.
وبحسب مراقبين، فإن الدفع نحو دستور جديد لا يهدف فقط إلى حل الأزمة الكردية، بل قد يفتح أيضًا الباب أمام تجديد الولاية الرئاسية لأردوغان، الذي أعيد انتخابه في 2023، في حين أن النص الحالي لا يسمح له بالترشح مرة أخرى بعد انتهاء ولايته الحالية.
ولتفعيل هذه الرؤية، شكّل البرلمان التركي لجنة مشتركة من مختلف الأحزاب، تتولى صياغة المبادئ العامة لعملية السلام، بما يشمل الجوانب السياسية والدستورية والحقوقية. وتأتي هذه الخطوة بعد عقود من محاولات فاشلة لإنهاء التمرد الكردي، حيث توقفت آخر عملية سلام في 2015 بعد انهيار وقف إطلاق النار بين الجانبين.
ويرى متابعون أن إعلان أوغيوم يحمل إشارات جدية على رغبة حقيقية من المؤسسة الحاكمة في إعادة صياغة العلاقة مع الأكراد عبر الوسائل السياسية، لا العسكرية، خصوصًا بعد تفكك الهيكل التنظيمي لحزب العمال الكردستاني، الذي كان العقبة الكبرى أمام أي مفاوضات رسمية.
ومع ذلك، لا تزال الطريق إلى السلام محفوفة بالعقبات. فهناك قوى داخل الدولة ترى أن أي تنازل قد يُضعف هيبة الدولة المركزية، فضلًا عن القلق الأمني من بقايا الفصائل المسلحة المرتبطة بالحزب، سواء داخل تركيا أو في شمال العراق وسوريا.
كما أن المناخ الإقليمي، خاصة في ظل التوتر مع حلفاء الأكراد في سوريا، قد يلقي بظلاله على المسار الداخلي.
وتبدو أنقرة، اليوم، أمام مفترق طرق تاريخي. فإما المضي في حل سياسي شامل للقضية الكردية قد يتطلب مراجعة جذرية لبنية الدولة الدستورية، أو العودة إلى دائرة الصراع والتهميش.
وفي ظل تحولات إقليمية ودولية كبيرة، قد تكون هذه الفرصة الأخيرة لفتح صفحة جديدة مع الأكراد، وإنهاء واحدة من أطول النزاعات في تاريخ الجمهورية التركية.
ميدل إيست أونلاين