تركيا: “حراس الليل” ماذا سيفعلون في النهار؟
أياً كان الهدف من تشكيل هذا الجهاز الليلي، فالمعارضة لا تهمل الإشارة إلى سيطرة إردوغان على جميع مؤسّسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والقضاء.
مع انشغال الرأي العام التركي بأخبار “الانتصارات” التي حقَّقها الرئيس رجب طيب إردوغان في ليبيا، صادق البرلمان الأسبوع الماضي، وبأغلبية أعضاء حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية، على قانون جديد يقضي بتشكيل جهاز أمني رديف للشرطة وقوات الجندرمة (الدرك)، وهو “حراس الليل“.
وحدّد القانون صلاحيات هؤلاء الحراس المسلحين الذين سيكون لهم حقّ توقيف المواطنين، وأن يطلبوا منهم إبراز هوياتهم الشخصية، كما يحق لهم تفتيشهم وتفتيش سياراتهم واحتجازهم، والتدخل لمنع أعمال الشغب إلى أن تصل قوات الأمن.
وأثار القانون ردود فعل عنيفة في الشارع الشعبي والإعلامي والسياسيّ، بعد أن اتّهمت أحزاب المعارضة الرئيس إردوغان “بالعمل على تشكيل جهاز أمني يتبع له مباشرة، ليستخدم عناصره عند اللزوم، كالميليشيات المسلحة في بعض الأنظمة الديكتاتورية التي تلجأ إلى مثل هذا الأسلوب”.
وشكَّكت المعارضة بنيات إردوغان في موضوع “حراس الليل”، وقالت: “لقد ألغت الحكومات السابقة منذ فترة طويلة نظام الحراس، وليس هناك مبرر لإعادة هذا النظام، بعد أن أصبحت الكاميرات في كل مكان، إضافة إلى الشركات الأمنية الخاصة، ويزيد عدد عناصرها في تركيا على عدد عناصر الشرطة الرسمية”.
وأشارت المعارضة “إلى احتمالات توظيف عشرات الآلاف من أعضاء حزب العدالة والتنمية وشريكه الحركة القومية وأتباعهم وأنصارهم كحراس في جميع أنحاء البلاد، لتكون مهمّتهم العمل لصالح السلطة، وذلك من خلال رصد تحركات المعارضين، وجمع المعلومات عنهم ليلاً، وإعداد التقارير عنهم نهاراً، وتقديمها للأجهزة الأمنية، وبالتالي التدخل بالسلاح ضد كل من يخطر في باله أن يقوم بأي عمل يعادي الدولة أو الرئيس إردوغان”.
واكتسب قلق المعارضة هذا أهمية إضافية، لأنه جاء بعد المعلومات التي تحدثت عن تشكيل تنظيمات سرية وعلنية تحت مسميات مختلفة، منها “المثابات العثمانية”، وهي امتداد لـ”الذئاب الرمادية” القومية العنصرية سابقاً. وقالت قيادات حزب الشعب الجمهوري إن الرئيس إردوغان “يخطّط لاستخدام مثل هذه المجموعات المسلحة والمحمية من قبل الدولة ضد أعدائه، بما في ذلك محاولات الانقلاب أو التمردات الشعبية والمسيرات والتظاهرات التي تشكّل خطراً عليه وعلى السلطة”.
وجاءت هذه الاتهامات لاحقاً لقرار سابق من الرئيس إردوغان، الذي عين الجنرال المتقاعد عدنان تانري فاردي مستشاراً له. ونقلت وسائل الإعلام معلومات وافية عن الجنرال فاردي الذي طرد من الجيش في العام 1996 بسبب نشاطه الديني، فقام بتأسيس شركة للخدمات الاستشارية العسكرية تحت اسم “SADAT”.
وتحدّثت المعلومات الصحافية عن دور مهم لهذه الشركة، وباعتراف صاحبها، “في تدريب عناصر ما يسمى بالجيش السوري الحر وتأهيلهم وتسليحهم، ولاحقاً ما يسمى بالجيش الوطني الذي تموّله أنقرة”. ونشرت الصحف العديد من الأخبار عن أنشطة مختلفة للشركة، بما في ذلك القيام بمهمات سرية خاصة في سوريا وقطر وأماكن أخرى في المنطقة، ونقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى مختلف الفصائل في سوريا، إضافةً إلى التنسيق والتعاون بينها وبين الجيش والمخابرات التركية في ليبيا”.
كلّ ذلك بعد أن اعترف الرئيس إردوغان بتواجد الجيش والمخابرات التركية رسمياً في ليبيا، جنباً إلى جنب الفصائل الليبية المختلفة التي تم دعمها بأكثر من 10 آلاف من المسلحين الذين نقلوا من سوريا إلى تركيا، وهو ما اعترف به إردوغان أيضاً.
وأياً كان الهدف من تشكيل هذا الجهاز الليلي، فالمعارضة لا تهمل الإشارة إلى سيطرة الرئيس إردوغان على جميع مؤسّسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والقضاء. وتقول المعارضة: “من المستحيل على أي مواطن عادي أن ينضم إلى هذه الأجهزة إلا بعد التأكّد من ولائه للسلطة، أي الرئيس إردوغان مباشرة”.
وتتحدث المعارضة أيضاً عن سيناريوهات مثيرة، ومنها “تكليف مختاري الأحياء، بل وحتى خطباء وأئمة الجوامع، بمهمات أمنية تهدف إلى جمع المعلومات عن كل من يعتقد أنه معارض أو مشكوك في ولائه للدولة، أي الرئيس إردوغان”، الذي سبق أن اجتمع خلال العام الماضي بشكل دوري مع الآلاف من المختارين من مختلف أنحاء البلاد، وجمعهم في القصر الجمهوري، وأرسل البعض منه إلى العمرة، وآخرين إلى الأندلس للترفيه!
تضع كل هذه المعطيات الرئيس إردوغان وجهاً لوجه أمام الانتقادات العنيفة التي يتعرَّض لها من قبل المعارضة، التي لم تعد تخفي قلقها من هذا المسار. وقال عنه زعماء المعارضة جميعاً، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب المستقبل أحمد أوغلو، “بأنه سيقضي على الديموقراطية برمتها، وأنه يهدف إلى إقامة نظام استبدادي لا ولن يسمح بتواجد أي نوع من أشكال المعارضة التي يخطط للتخلص منها خلال الفترة القريبة القادمة”، فمع استمرار عمليات الاعتقال التي تستهدف الصحافيين من دون توقف، تتوقع المعلومات أن يغير إردوغان قانوني الانتخابات والأحزاب السياسية، ليسدّ بذلك الطريق على داوود أوغلو وزعيم حزب الديموقراطية والتقدم علي باباجان، ويمنعهما من دخول البرلمان في الانتخابات القادمة.
وتتوقّع الأوساط المقربة من إردوغان للقوانين الجديدة أن تشترط على الأحزاب السياسية الحصول على 10% من مجموع أصوات الناخبين في عموم البلاد، حتى يتسنّى لها دخول البرلمان، شرط أن يحصل الحزب أيضاً على 20% من أصوات الناخبين في الولاية أو الدائرة الانتخابية، وتسعى الحكومة إلى زيادة عدد هذه الدوائر لمنع أي تحالف معارض من الفوز فيها.
يأتي كل ذلك مع المعلومات التي تتحدث عن احتمال حظر نشاط حزب الشعوب الديموقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني المحظور) من قبل المحكمة العليا، عقاباً له على تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري، الذي حقق مرشحوه انتصاراً كبيراً في الانتخابات البلدية في آذار/مارس العام الماضي.
ويبقى الرهان على تطوّرات المرحلة القادمة، والتي ستكون سريعة جداً على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، وهي متداخلة، لما لسياسات أنقرة في ليبيا وسوريا أولاً، وبالتالي المنطقة عموماً، من انعكاسات خطيرة على الوضع الداخلي، وخصوصاً الأزمة المالية، فقد بات واضحاً أن إردوغان لا يريد للشعب التركي أن يفكّر في هذه الأزمة، بل عليه الانشغال بقضايا ثانوية تمنعه من الاعتراض على سياساته والتصدّي لها. وقد نجح إردوغان، على الأقل حتى الآن، في نهجه هذا، وهو ما يفسّر استمرار شعبيته بنسبة 30 – 35%.
كل ذلك بفضل مقولاته القومية ذات الملامح الدينية، وآخرها حديثه عن تحويل متحف آيا صوفيا إلى جامع، بعد أن كان كنيسة، عندما دخل محمد الفاتح إلى إسطنبول في العام 1453.
واكتفت المعارضة بتذكير الرئيس إردوغان بما قاله في 16 آذار/مارس العام الماضي، عندما ردّ على هتافات المتظاهرين الذين ناشدوه لتحويل آيا صوفيا إلى جامع، فقال لهم: “عليكم أن لا تنجرّوا وراء مثل هذه المخططات والألاعيب الخبيثة، فقبل أن تطلبوا مني جعل آيا صوفيا جامعاً، اذهبوا واملأوا جامع السلطان أحمد، وهو مقابل آيا صوفيا، ثم إننا بنينا لكم أكبر جامع في أعلى هضبة في إسطنبول، وهو يتسع لستين ألفاً، فاذهبوا واملأوه إن كنتم تريدون الصلاة فعلاً”!.
والأغرب في الموضوع أن أتباع حزب العدالة والتنمية وأنصاره، لم يعودوا ينتبهون إلى مثل هذا التناقضات، ما داموا مستفيدين من السلطة بشكل أو بآخر، والإعلام الحكومي والخاص الذي يسيطر إردوغان على 95% منه، يصوّر لهم الأمور بشكلٍ آخر!
الميادين نت