تركيا والعنف

لتركيا وجهة نظر خاصة بالارهاب وما ينتج عنه من عنف.

من حيث المبدأ هي ليست ضده إذا كان موجها إلى جيرانها، بل هي تدعمه وتسهل تمويله وتيسر له سبل القوة والتمدد. وهو ما أكدته وقائع السنوات الأربع الماضية، وهي السنوات التي شهدت ولادة نوع جديد من الارهاب.

كانت تركيا البوابة الوحيدة التي دخل من خلالها تنظيم داعش إلى الأراضي السورية وبعدها إلى الأراضي العراقية. وهو الفعل الذي لم تستنكره الدول التي أعلنت الحرب على الارهاب وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

هل كان ضروريا أن يتم تجميع الارهابيين في سوريا من أجل تبرير الحرب على الارهاب، وهي حرب سيقال في ما بعد إنها لن تنتهي إلا بعد أن تمر عقود على بدئها؟ ألهذا يبدو الدور التركي منسجما مع سياقات المخطط العالمي الذي يهدف إلى تخليص العالم، الجزء الغربي منه بالتحديد من خطر التشدد الديني؟

كان واضحا أن تركيا المسلمة تتخطى اسلامها لتساهم في صنع صورة افتراضية عن الاسلام، مادتها مسلمون تحيط بهم الشبهات، من جهة ارتباطهم بأجهزة مخابرات عالمية.

لقد تفردت تركيا بموقفها الملتبس أخلاقيا.

فالاسلاميون الذين يحكمونها بقيادة رجب الطيب اردوغان بطريقة عقائدية يغلب عليها الحذر هم أنفسهم المسؤولون عن دورة العنف التي صارت سوريا تشهدها، بسبب الاختراق التركي الذي تسلل من خلاله الاف المقاتلين الأجانب إلى الاراضي السورية حاملين لواء الاسلام الذي تتردد تركيا الاردوغانية في رفعه، في محاولة منها لتفادي الصدام مع تركيا اتاتورك التي يحميها الجيش.

لقد وجد اسلاميو تركيا في العنف الذي تشهده سوريا ومن بعدها العراق متنفسا لهم. فالحرب التي صارت تضرب بأهوالها البلدين لم تكن بالنسبة للأتراك سوى نزهة يتخللها التفكير في زيادة عدد المخيمات التي ستظهر تركيا في مظهر الجارة التي تشفق على الأحوال المأساوية التي يعيشها شعب جارتها الجنوبية متجاوزة بكل لياقة حقيقة مساهمتها الاساسية في صنع تلك المأساة.

من المؤكد أن تركيا كانت من أكثر الدول مساهمة في الحاق الاذى بسوريا.

أصدقاء الشعب السوري وهم في الوقت نفسه أعداء سوريا كانوا ينظرون إلى ذلك الدور التركي بقدر كبير من الامتنان. فلولا تركيا ما كان هناك وجود للجماعات والتنظيمات الاسلاموية المتشددة على الأراضي السورية.

في الوقت نفسه فإن تركيا نجحت في أن تري العالم الارهاب مجسدا من خلال تنظيمات ارهابية صارت تعيث بالأرض فسادا في ظل الفوضى التي أملت شروطها على التاريخ لتنتج جغرافيا جديدة، يكون فيها للإرهاب دوله التي صار يحارب بعضها البعض الآخر.

بهذا المعنى تكون تركيا التي رعت الإرهاب مساهمة في الحرب عليه من خلال حصره في مكان بعينه. لا يهم هنا الثمن الذي يمكن أن يدفعه الشعب الذي يقيم في ذلك المكان، ما دام ذلك الشعب يقيم خارج الحدود التركية.

في السياق نفسه تقع محاولة تركيا التخلص من الجناح العسكري لحزب العمال الكردي حين اقترحت على أفراده أن يرحلوا إلى شمال العراق، ثمنا لسلام افتراضي، تبين في ما بعد أنه لم يكن سوى كذبة.

من خلال داعش تجرع العراق ومن قبله سوريا قدرا لا يستهان به من السم التركي. وهو سم يفوق من جهة أثره الآثار التي تخلفها الحرب الكيمياوية.

ولكن العلاقة بين السم وصانعه لا يمكن أن تبقى محايدة دائما. لذلك ضرب الارهاب تركيا بعنفه. ما تراه تركيا اليوم هو استحقاق تاريخي لا يمكنها تفادي المرور به. فتركيا أردوغان لم تكن مجرد بوابة دخل من خلالها الارهاب إلى سوريا، بل كانت صانعة ذلك الارهاب ومدبرة أحواله.

لذلك فإن عودته إليها كانت ميسرة.

العنف الذي يضرب تركيا اليوم هو صناعة تركية كانت تركيا قد توهمت أنها لن تعود إليها بعد أن خصصتها للتصدير.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى