تركيا والقرارات السعودية: إحياء خلافات تاريخية؟ (محمد نور الدين)

 
محمد نور الدين 


قرار السعودية والإمارات والبحرين بسحب السفراء من قطر، وقرار اعتبار حماس حركة غير مشروعة في مصر، وقرار الرياض اعتبار «الإخوان المسلمين» تنظيماً إرهابياً، لا تقتصر تداعيته على ساحة الدول المعنية هذه أو حتى الساحة العربية فقط، بل تتعداه إلى الدول الإقليمية غير العربية وفي مقدمتها تركيا.
ذلك أن تركيا بعد الانقلاب على تحالفها مع دول ما يسمى بـ«محور الممانعة والمقاومة»، بنت سياستها لتوسيع نفوذها على منظومة علاقات أيديولوجية مع حركات «الإخوان المسلمين» من مصر إلى تونس وصولا إلى حركة حماس.
وإذ عرف هذا التيار نجاحاً في تونس ومصر، زاد من نفوذ تركيا، غير أنه ما لبث أن انهار دفعة واحدة مع سقوط «الإخوان» في مصر والإطاحة السلمية بـ«حركة النهضة» في تونس، ومن ثم محاصرة حماس وعزلها عن مجالها الحيوي في مصر.
واليوم، لم يساهم قرار سحب السفراء من قطر أو اعتبار «الإخوان المسلمين» تنظيماً إرهابياً سوى في طي صفحة اخرى لما تبقى من نفوذ لتركيا في المنطقة العربية والإسلامية.
ولم تكن العلاقات في الأساس بين تركيا والسعودية ودول الخليج قائمة على أسس متينة، بل جمعها العداء للنظام السوري، حتى إذا سقطت حسابات هؤلاء الحلفاء على الأرض في سوريا، عادوا إلى ساحة خلافاتهم الرئيسة. فالخلاف حتى العداء بين الوهابية والإسلام التركي متجذر ويعود إلى مرحلة محمد علي باشا، عندما توجه بأمر من السلطان العثماني لسحق الحركة الوهابية في الجزيرة العربية.
وبعد اعتماد العلمانية في تركيا لم تعرف العلاقات التركية ـ السعودية فترات وردية، ولا سيما في ظل الحكومات العلمانية -العسكرية. وبالرغم من سنوات الازدهار بين الرياض وأنقرة في السنوات الأولى لسلطة «حزب العدالة والتنمية»، فإن عداء الرياض لطهران ومن ثم للنظام في سوريا بعد بدء الأزمة فيها، هو الذي كان يدفع بالبلدين إلى التنسيق لإضعاف «محور الممانعة والمقاومة».
غير أن سقوط مشروع إطاحة النظام في سوريا، وتوجس السعودية ودول خليجية من تنامي المشروع «الإخواني» في المنطقة، أطاح العلاقات التركية مع الخليج ومصر ليعود الوجه المذهبي الوهابي ـ الإسلامي التركي ليطفو على السطح كأحد العوامل الأساسية المتحكمة في الصراع بين هذين التيارين.
فتركيا، كما يلاحظ معظم المراقبين، باتت منذ مطلع الصيف الماضي بلداً معزولاً بالكامل في سياسته الخارجية، وبالكاد يستطيع وزير الخارجية أحمد داود أوغلو أن يزور عاصمة عربية، أو أن يرحب به في عاصمة عربية باستثناء قطر.
ولن تقتصر التداعيات السلبية للقرارات السعودية والخليجية والمصرية على المنطقة العربية، بل ستترك آثارها على مناطق صراع النفوذ بين تركيا والسعودية، ومن ذلك في القوقاز وآسيا الوسطى والبلقان حيث تنشط الحركة الوهابية في عقر دار تركيا والعالم التركي.
الفشل التركي في سوريا وأوهام تأسيس نظام شرق أوسطي جديد بزعامة تركيا، على ما ذكره داود أوغلو في 27 نيسان العام 2012، استكمل في عدم قدرتها بعد الآن على ممارسة دور مؤثر في القضية الفلسطينية بعد عزل حماس ومحاصرتها وفي ظل تردي العلاقات بين أنقرة وإسرائيل، حيث تمنع أردوغان عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لغايات انتخابية محلية لشبهة العلاقة بين واشنطن والداعية فتح الله غولين.
وفي هذا السياق، يقول سميح إيديز في صحيفة «طرف» التركية إن مشكلة «الإخوان المسلمين» في مصر أنهم «وإن فازوا في صندوقة الاقتراع إلا أنهم لم يحترموا من لم يصّوت لهم، تماماً كما كان يفعل أردوغان في تركيا».
وأضاف أنه «في ظل المتغيرات الحاصلة في المنطقة ضد الإخوان المسلمين، لم يعد ممكناً لتركيا، تحت قيادة حزب العدالة والتنمية الموالي للإخوان، أن تقوم بدور فاعل في المنطقة وهو ما يعمق عزلتها الإقليمية».
بدوره، يكتب مراد يتكين في صحيفة «راديكال»، إن «مرحلة اعتماد الولايات المتحدة على مقولة الجمع بين الديموقراطية والخطاب الإسلامي المعتدل في الشرق الأوسط، قد انتهت».
ويشير إلى أن «أردوغان كان يوظف هذه المعادلة في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية. لكن التطورات الأخيرة في السعودية والخليج ومصر جعلت من قبول مثل هذا الخطاب متعذراً، وبالتالي فإن قرار السعودية اعتبار حركة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً وسحب السفراء من قطر، هو خبر سيئ لأردوغان وستظهر نتائجه قريباً».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى