تسّرع العالم جداً بمنح ثقته للصين كلاعب رئيسي وإيجابي ، والآن حان الوقت لنزع ثقته هذه إلى أن تحدد الصين مسارها المستقبلي

 

في أواخر التسعينيات وأوائل ال٢٠٠٠ ، وعندما أعلنت الصين انفتاحها على العالم ،  تنافست أمريكا والعالم الغربي لتحضير الصين لتكون الموّرد قليل التكلفة ذو الموارد البشرية الهائلة والرخيصة . فتسارع الغرب بضخ الأموال لتدريب وتعليم وإعادة إنشاء الفلاح الصيني . فعلّموه كيف يصنع و يصمّم و كيف ينتج وكيف يقيم المعامل و كيف يديرها ، فاستقبلت الصين الأموال الهائلة التي جاءتها وبذلك تحولت من بدائية زراعية فقيرة جائعة إلى منتجة غنية مستفيدة من الأموال الغربية التي تضخ سنويا لإقامة المعامل وتأسيس البنية التحتية وبناء الإنسان الصيني . لم تشهد أي دولة في العالم أجمع في أي عصر مضىى على مرّ التاريخ حجم الأموال والقدرات الفكرية التي انتقلت إلى الصين . فلو أن ربع هذه القدرات دخلت أفريقيا أو العالم العربي لتوقفت الهجرة واختفى الفقر .

مع تدفق هذه الاستثمارات إلى الصين ،  إلا أنها لم تغير عقيدتها ، بل التزمت الصمت حتى حصلت على المال والدعم التقني والفني وتعلمت وتطورت . وفي نفس الوقت وجدنا الصمت في الإدارة الأمريكية في وقت بوش الابن وأوباما حيث كانو يتنعمون بفترة شبه انعدام التضخم في الأسعار ، فسمحوا لشركاتهم نقل ملكياتهم الفكرية للصين على حساب الحفاظ على أصوات الناخبين وربح الانتخابات … فأغلقت المصانع الأميريكة عالية الجودة والكلفة مصانعها في أمريكا وانتقلت إلى الصين وافتتحت مصانع بأقل كلفة وأدنى جودة . ولكن مع مرور الوقت تحسنت الجودة وخاصة بوجود الاستثمارات الفكرية للجودة . فتعلمت الصين المبادئ الأمريكية في الصناعة والتجارة والجودة ال 6  sigma وال  JIT ، و تقلصت الصناعة الغربية و نقلت معاملها و خبراتها الفكرية للعامل والمهندس والإداري الصيني الرخيص الأجر وبذلك انتقل مركز القوة الانتاجية والتطوير إلى الصين…   ولكن الإدارة الصينية المركزية التي لا يوثق بها ، أقامت خطة طويلة الأمد استخدمت فيها الأموال لا لتصبح لاعباً دولياً إيجابياً مشاركاً بل لتقيم إمبراطورية عسكرية وإمبراطورية جغرافية تتغلغل بها تجاريا لتقيم محوراً سياسياً قوياً .  فقامت بإحكام زِمام الأمور و بتقوية سلطتها على شعبها واستخدام الموارد المالية الجديدة لتثبيت قبضة إدارتها المركزية والانتشار عالمياً بكل المحاور . والهدف من كل ذلك هو الوصول إلى قمة القوى الدولية.

وتضاعف تأثير الصين على الغرب تحت وطأة الإنتاجية الرخيصة وسرقة الأفكار من المخترعين الغربيين . وقويت الصين المادية الجديدة حتى أنها أصبحت تهدد المحاور والعالمية ووجودها .  فال 5G هو أول مثال يظهر كيف يتفكك المحور الغربي ويتهاوى أمنياً وسياسياً حول من يوافق على مقاطعة الخطر الأمني للهواوي و 5G وأمام فشل الشركات الغربية تقديم بديل .

ثم جاء وباء كورونا فأثبت بالدليل القاطع على أن الصين ليست أهلا لتحمل المسؤولية الدولية ولا الإنسانية ولن تكون اللاعب المسؤول القادر على أن يحظى على ثقة العالم . فأخفت الصين المرض ، ومنعت المؤسسات الطبية الغربية والعالمية من الوصول إلى المرضى لتحليل الحدث ، ورفضت الافصاح وإيقاف حركة الطيران الدولية إلى أن فات الأوان . فهي تنفّذ خطة طويلة الأمد و دقيقة جداً على حساب ثقة الغرب والعالم بهم … ولن تكترث لبضعة آلاف من الموتى بسبب فيروس خرج من عندهم وهدّد العالم . فهم لا يشعرون أصلاً بالمسؤولية .  بل ذهبوا يتباهون بسرعة قمعهم لمواطنيهم وحجرهم القسري وحماية بلدانهم الرئيسية مثل بيكين وشانغهاي على حساب روما ومدريد ونيويورك والعالم بأسره.

حان الآن الوقت لدول العالم تلقين الدرس للصين ، ليس بالجيوش بل بنزع الثقة وسحب المنتجات والمعامل الغربية والمصالح من اقتصادها .  لن يكون الأمر بالسهل أو الرخيص . بل حان الوقت لكي ترجع هذه الإمكانيات لأمريكا وأوروبا وربما لتوزيع بعضها على الوطن العربي وأفريقيا ومشاركتهم بالاقتصاد الدولي ، فبذلك تقف الهجرة إلى الغرب . وحان الوقت لهذا الرعب أن يتفكك مقابل حماية الأرواح . فالصين الآن تقود السيارة بسرعة فائقة ومتهورة والجميع من ركاب ومشاة في الشارع يتعرضون للخطر . وحان وقت سحب الشهادة لأن الصين لا تريد وليس بنيّتها أن تدخل العالم بإيجابية مفيدة ولا لأن تكون لاعباً دولياً إيجابياً . فكما أخفت مرض الكورونا ولم تعترف به إلا بعد أن خرج عن السيطرة وقتل ما قتل وانهار الاقتصاد العالمي وحبس العالم بأسره حبساً إجبارياً ، لذلك عليهم الآن الإحساس بالمسؤولية ودفع الثمن لكل من تضرر . كورونا لم يكن صدفة أكل خفاش أو حيوان بري . لم نرى أي شئ كهذا يخرج من أفريقيا أو جنوب أمريكا . فالأغلب أن كورونا هو نتاج حلمهم بتطوير سلاح بيولوجي ولكنه خرج عن السيطرة .  وكما أجبرت الصين العالم دفع ثمن حلمها للوصول إلى القمة والتحكم بالقرار العالمي ، فعليهم العيش من دون الثقة العالمية وعليهم دفع ما أوصلوا العالم إليه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى