تحليلات سياسيةسلايد

تشاؤم بمبادرة ترامب: ليس بـ«الاستعراض» يستقرّ السودان

فور إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عزمه العمل على «إنهاء الفظائع المروّعة» في السودان، بناءً على طلب وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، اتّخاذ «خطوات حاسمة» تتعلّق بالملف السوداني، رحّبت الحكومة السودانية بالجهود الأميركية والسعودية لإحلال السلام في البلاد، مؤكّدةً استعدادها للانخراط الجاد من أجل تحقيقه، ومشدّدةً على ضرورة تهيئة الظروف التي تضمن وقفاً شاملاً للعمليات القتالية وعودة الخدمات. وفي المقابل، أعلنت «قوات الدعم السريع» استجابتها الكاملة لمبادرة ترامب.

إلا أنّ تصريحات الرئيس الأميركي، عكست ضعفاً في الإحاطة بالقضية السودانية وأبعادها، رغم انخراط الإدارة الأميركية، في الملف السوداني، عبر مبعوث الرئيس الخاص إلى أفريقيا، مسعد بولس، وعبر «المبادرة الرباعية» التي تضمّ إلى جانب الولايات المتحدة، كلّاً من السعودية ومصر. إذ بدا وكأنّ التقارير التي تلقّاها ترامب، اختزلت المشهد في مجرّد «نزاع جنوني وفوضى»؛ وهو ما دلّ عليه حديثه، في أثناء المنتدى الأميركي – السعودي في واشنطن، الأربعاء الماضي، عن «فظائع هائلة» تُرتكب في السودان، ووصفه البلد بأنه «أصبح أكثر الأماكن عنفاً على وجه الأرض، وأكبر أزمة إنسانية منفردة». ولفت إلى أنّ ابن سلمان «يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلّق بالسودان»، مضيفاً أنّ الأزمة السودانية «لم تكُن ضمن الملفات التي أنوي الانخراط فيها، وكنت أعتقد أنّ الوضع هناك تعمّه الفوضى وخارجاً عن السيطرة». وإذ أشار إلى أنّ «هناك حاجة ماسّة إلى الغذاء والأطباء وكل شيء»، فهو تعهّد بالبدء الفوري في إيجاد حلول وإنهاء الحرب. وفي تدوينة لاحقة على منصة «تروث سوشال»، قال ترامب، إنه سيستخدم «نفوذ الرئاسة لوقف الحرب فوراً»، وإنه سيعمل مع السعودية والإمارات ومصر وشركاء آخرين لوقف الفظائع وتحقيق الاستقرار.

ورغم الضجيج الإعلامي المرافق لتصريحات ترامب، لم تتّضح رؤية الأخير لحلّ الأزمة السودانية، في وقت أكّد فيه بولس، في تصريحات لاحقة، أنّ «الولايات المتحدة، ستعمل مع شركائها للتوصّل إلى هدنة إنسانية في السودان ووضع حدّ لتدفّق الأسلحة من الخارج». غير أنّ مراقبين يشكّكون في قدرة بولس على إدارة ملف معقّد بهذا الحجم، معتبرين أنه يفتقر إلى الخبرة السياسية ويتعامل مع المسألة بعقلية رجل أعمال، وسط اتّهامات له بأنه منخرط وبلاده في «سمسرة الحرب».

وبالتوازي، يبدو أنّ المشهد السياسي السوداني منقسم إلى عدّة تيارات؛ فهناك من يرى أنّ الموقف الأميركي الأخير يهدف إلى إحياء بنود «الوساطة الرباعية» التي سبق أن تحفّظت عليها الحكومة السودانية، بما يعني قبول دور الإمارات كوسيط، علماً أنّ غالبية القوى الداعمة لهذا الاتجاه تقيم خارج السودان. أمّا التيار الداخلي الداعم للجيش والحكومة في بورتسودان، فيرفض بصورة قاطعة، أي دور إماراتي في الوساطة، باعتبار أنّ أبوظبي منحازة إلى قوات «الدعم السريع» وتقوم بدعمها وتسليحها بصورة علنية وموثّقة من عدّة جهات دولية، الأمر الذي يشي بأنّ الجهود الأميركية – وإن كانت على مستوى الرئاسة – قد تصطدم بضغوط سودانية داخلية معاكسة لأي مبادرة تكون الإمارات جزءاً منها.

وإزاء ما تقدّم، يرى الناطق السابق باسم وزارة الخارجية السودانية، العبيد مروح، في حديثه إلى «الأخبار»، أنّ بولس نفسه كان قد تبنّى مقاربة المساواة بين الجيش السوداني و«الدعم السريع»، وهي «مقاربة غير صحيحة، من شأنها أن تخلق انطباعاً بوجود انقسام داخلي متكافئ»، معتبراً أنّ «هذا التشخيص لطبيعة الحرب في السودان، هو جزء من تعقيدها». ويشير إلى أنّ التحرّكات الأميركية الراهنة تستبطن «إعادة الملف السوداني إلى مسار جدّة، والاتفاق الموقّع في 11 أيار 2023، وهو مسار يركّز على الشقّين الإنساني والعسكري، لا على تفعيل لجنة الوساطة الرباعية»، مرجّحاً أن «يجري تقليص دور مصر والإمارات في منبر جدّة». أمّا الجانب السياسي، فـ«قد يكون للرباعية دور فيه، لكنّ قبول السودان بالانخراط في الرباعية يتطلّب من الولايات المتحدة، بذل جهود للتوسّط بين الخرطوم وأبوظبي»، وفقاً لمروح، الذي يرى أيضاً أنّ «المعضلة الأساسية أمام الجهود الأميركية حالياً هي الدور الإماراتي»، مرجّحاً «تهميش هذا الدور حتى في المسار السياسي ما لم يحدث اختراق في العلاقات السودانية – الإماراتية».

ومن جهتهم، يعتقد محلّلون أنّ السعودية تنظر إلى السودان، بوصفه عمقها الأمني على البحر الأحمر، وأنها لن تفرّط بهذا الملف، خشيةً من أن يتحوّل السودان إلى «بؤرة للإرهاب» تهدّد الملاحة والأمن الإقليمي. وبحسب مصدر دبلوماسي تحدث إلى «الأخبار»، فإنّ السعودية «تنفّذ مشاريع ضخمة في منطقة البحر الأحمر، ولضمان نجاح هذه المشاريع وجذب الاستثمارات الغربية، فهي تحتاج إلى حزام أمني يتجاوز حدودها ليشمل السودان». ويضيف المصدر، الذي رفض الكشف عن هويّته، أنّ المنافسة بين الرياض وأبوظبي «تخطّت مرحلة الخفاء؛ إذ أصبح التنافس بين البلدين على قيادة العالم العربي واضحاً. ولتحقيق إزاحة الإمارات كمنافس مستقبلي، تحتاج السعودية إلى تسجيل انتصار كبير على الأولى في ملفات العلاقات الدولية، ولا سيّما السودان». ويختم المصدر بالقول إنّ مصلحة السودان «تقتضي عدم مشاركة الإمارات في الرباعية»، ذلك أنّ الأخيرة «طرف داعم للمليشيا»، وتريد في الوقت نفسه، «أن تؤدّي دور الوسيط».

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى