تصريحات مُعيبة لمحمود عبّاس رئيس السّلطة الفِلسطينيّة لا يجب السّكوت عنها..
عبد الباري عطوان
تصريحات مُعيبة لمحمود عبّاس رئيس السّلطة الفِلسطينيّة لا يجب السّكوت عنها……ما ترتكبه دولة الاحتِلال الإسرائيلي من حربِ إبادةٍ وتطهيرٍ عرقيّ، وجرائم حرب، ومجازر ضدّ أكثر من مِليونيّ مواطن فِلسطيني في قطاع غزّة المحاصَر المجوّع كان، وما زال، يشكّل فرصةً ذهبيّةً لـ”الرئيس” الفلسطيني محمود عبّاس للوقوف إلى جانب شعبه. واتّخاذ كل الإجراءات اللّازمة للتصدّي لهذا العدوان. وتطهير نفسه، وسلطته من كلّ الخطايا التي ارتكبها طِوال الثّلاثين عامًا الماضية بالعودة للوقوف في خندق المقاومة. كما ووضع الخلافات جانبًا، ولو مؤقّتًا. ولكنّ ما فعله، ويفعله، معاكسٌ لذلك تمامًا، ورشّ المزيد من المِلح على الجرح الفِلسطيني النّازف. وتصرّف مثل الأمين العام للأمم المتحدة، بل أسوأ، عندما ساوى بين العدوّ الفاشيّ، والمقاومة الشّريفة عندما أدانَ الجانبين وقتْل المدنيين في صفوفهما. فمنً المؤكّد أنّ من يقدِم على هذا السلوك فاقد الأهليّة القياديّة والنفسيّة.
تصريحات مُعيبة لمحمود عبّاس
ففي اتّصالٍ هاتفيٍّ مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، قال “الرئيس” عبّاس، وحسب النّص الرسمي الذي بثّته وكالة الأنباء الرسميّة التّابعة لسُلطته “أن سياسات حركة حماس وأفعالها لا تمثّل الشّعب الفِلسطيني”. واعتبر أنّ “سياسات وبرامج منظّمة التّحرير هي التي تمثّل هذا الشّعب باعتِبارها الممثّل الشّرعيّ الوحيد له”.
لو قال الرئيس عبّاس إن سِياسات وأفعال حركة “حماس” لا تمثّل سلطته، في محاولةٍ من جانبه للتنصّل من هذا الانتِصار الكبير، وغير المسبوق، الذي حقّقته المقاومة، لوجدنا له بعض العذر. ولكن أن يقول إنها لا تمثّل الشّعب الفِلسطيني فهذا أمْرٌ معيب ومخجِل. علاوةً على كونه يفتقد للدقّة والموضوعيّة. فسلطته، ومنظّمة التّحرير الحاضنة الحاليّة لها، لا تمثّل الشّعب الفِلسطيني، ولا تنطق باسمه أيضا. كما ويَنظر إليها معظم هذا الشّعب نظرةً مفعمةً بالاحتِقارِ والتّخوين والوقوف في خندقِ الاحتِلال، وتعمل كأحد أدواته. فمن لا تحرّك دِماء الكرامة، والعزّة، والنّخوة، والوطنيّة في شرايينه وهو يشاهد 700 شهيد من أطفال شعبه و2500 من أمّهاتهم وآبائهم وأشقّائهم وشقيقاتهم. كما ويهرع كـ”رئيسٍ” للوقوف في خندقهم لا يستحقّ لقبه ومكانته، بل يجب أن يرجَمَ بالحِجارة أيضا.
الانتصارات التاريخية التي حققتها فصائل المقومة الفلسطينية
فصائل المقاومة الفِلسطينيّة بقيادة حركة “حماس” . حقّقت انتِصارًا تاريخيًّا أسطوريًّا في هجومها السبت قبل الماضي على أهدافٍ إسرائيليّةٍ عسكريّةٍ أذلّت الجيش الإسرائيلي. وفضحت هشاشة استِخباراته أيضا. كما وألحقت بدولة الاحتِلال، وبإعترافِ جنرالاته في مؤسّساتها العسكريّة، أضخم هزيمة في تاريخها. عندما حرّرت معظم الجنوب الفِلسطيني، واخترقت السّياج الحاجِز في ثمانين موقع، وقتلت 1400 إسرائيلي (حتّى الآن). كما وأصابت 4000 آخَرين، وأسَرت 200 بينهم جِنرالات كِبار، وهذه الحصيلة من الخسائر لم يحدث نِصفها في جميع حروب الجيوش العربيّة مع دولة الاحتِلال التي كلّفت المليارات تسليحًا وتدريبًا وتمويلًا على مدى 75 عامًا.
حذف تصريحات عباس فيما يخص حركة حماس وإعادة نشرها بصيغة جديدة
صحيح أنّ وكالة الأنباء الفِلسطينيّة عادت وحذفت الإشارة إلى حركة “حماس” من تصريحات “الرئيس” عبّاس ونشرتها في صيغةٍ جديدةٍ محدّثةٍ على موقعها الإلكتروني في اعترافٍ واضِحٍ بكارثيّتها. ولكن هذا التّصحيح لن يمحو العار، ولن يغفر لمرتكبه. كما ولن يغيّر من رأي الأغلبيّة السّاحقة من أبناء الشّعب الفِلسطيني.
فهذا الشّعب لم يَكن يتوقّع هذه الإساءة، ومن قبَل شخصٍ يقول إنّه رئيسه وممثّله الشّرعي والنّاطق باسمه. وإنّما كان يتوقّع منه أن يستغلّ هذه اللّحظة التاريخيّة لحلّ سلطته، وإعادة مفاتيحها إلى بنيامين نِتنياهو. وإنهاء التّنسيق الأمني، وإعطاء الأوامِر لقوّات الأمن الفِلسطينيّة للانضِمام إلى كتائب المقاومة في الضفّة الغربيّة أيضا.
كما والانحِياز إلى خندق الشّعب الفِلسطيني انتصارًا لقضيّته العادلة، تمامًا مثلما فعل أبطال حركة “فتح” وقِيادتها أثناء الانتفاضة المسلّحة الثانية عام 2000. ولكنّه فعل العكس تمامًا ورضخ لوزير الخارجيّة “اليهودي” الأمريكي وإملاءاته. فليس هو من هذا النّوع من السّياسيين الذين يتّخذون مِثل هذه المواقف الوطنيّة المشرّفة، والأكثر من ذلك أنه يصِرّ على أن يموت خائنًا للأسف.
عدم وطنية السلطة الفلسطينية وعدم تمثيلها الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني: تصريحات مُعيبة لمحمود عبّاس
أختم هذه المقالة بالإعلان بأن السّلطة الفِلسطينيّة ليست وطنيّة، ولا تمثّلني، ولا تمثّل الأغلبيّة السّاحقة من الشّعب الفِلسطيني أيضا. والشّيء نفسه أقوله عن منظّمة التّحرير الحاضنة لها وجميع مؤسّساتها الحاليّة. وأطالب بتأسيس منظّمة تحرير جديدة تعتمد المقاومة المشروعة كطريقٍ مشرّفٍ لاستِعادة جميع الحُقوق والأراضي الفِلسطينيّة المغتصبة.
من لا يقف في خندق الشّعب الفِلسطيني في هذه اللّحظة التاريخيّة، ويحتفل معه في انتِصاره، ويتعاطف مع شهدائه وأسراه، ويتمسّك بالاستِمرار بدوره كأداةٍ للاحتِلال لا يحقّ له أن يتحدّث باسم هذا الشّعب والادّعاء. بل والتجرّؤ على تمثيله، والرّحمة لأرواح الشّهداء، والدّعاء بالنّصر لكُل المُقاومين الشّجعان الذين يضحّون بأرواحهم ودمائهم نصرَةً لقضيّتهم العادلة.