تطورات في العلاقات السورية الاردنية

برز تغير حقيقي في العلاقات الأردنية – السورية، خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، سببه أولاً وقبل كل شيء تغيّر موازين القوى على الأرض، الذي انعكس بدوره على التغير في مواقف بعض الدول، ولم تكن عمّان خارج هذه المعادلة، إذ إن بعض الدول ارتبكت نتيجة الخلافات الموجودة بينها، مثل قطر والسعودية، كما أن أمريكا لم تعد مهتمة ببرنامج دعم المعارضة، أي أن كل عوامل الضغط الأمريكي والخليجي على الأردن تراجعت، لذا بدأت المملكة الهاشمية تشعر أنها تستطيع الاتجاه نحو مصلحتها أكثر.

الموقف الأردني كان عدائياً تجاه دمشق حتى فترة قريبة، فكان للمملكة تصريحات شديدة ضد الحكومة السورية .. قبل حوالي أربعة أشهر تحدث الناطق باسم الحكومة الأردنية عن التدخل في العمق السوري، وقبل عدة أشهر تم الترحيب بقصف مطار الشعيرات من قبل الجانب الأردني، لكن هذا الموقف تغير بفعل التطورات على الأرض السورية.

الانقطاع موجود منذ بداية الأزمة السورية بين الطرفين، متمثلاً في إغلاق للحدود بين البلدين، وكانت هنالك جماعات مسلحة على الحدود الأردنية السورية، تدعمها دول الخليج، بالإضافة إلى تمرير كمية كبيرة من السلاح إلى الأرض السورية عبر الحدود الأردنية، لكن في الوقت الحاضر تتجه المشاكل العالقة نحو الحلحة، والتصريحات الإيجابية التي صدرت عن الأردن، تتلقاها دمشق بإيجابية.

التواصل موجود، لكنه قليل جداً، حسب تصريحات مصادر حكومية سورية، فهو تواصل “ليس على المستوى المطلوب بين البلدين”، فالتواصل هو على المستوى الأمني، وليس السياسي، لكن هنالك تصريحات سياسية إيجابية، وهنالك كتاب ومحللون سياسيون أردنيون تغيرت لهجتهم حيال سورية بنحو إيجابي، يعني حتى مصطلح قوات الأسد غاب وحلّ مكانه مصطلح الجيش العربي السوري.

يقول أيمن علوش، القائم بأعمال السفارة السورية في الأردن، في حديث لوكالة “سبوتنيك”: أظن أن الأردن لديها سفراء في سورية أكثر مما هو متوقع، وسورية لديها سفراء في الأردن أكثر من المتوقع، العلاقات بين البلدين هي أكثر من موضوع سفير، لكن بالتأكيد هذا الشكل البروتوكولي نتمنى أن نراه، أستمع إلى إشاعات من أصدقاء أردنيين لسورية أن هنالك أسماء مرشحة في الأردن لمنصب السفير، لكن بالتأكيد عندما يكون هنالك نية بتعيين سفير أردني في سورية ستتعامل الدولة السورية بإيجابية مع الموضوع، نحن نطمح إلى أن تكون علاقاتنا مع الأردن، إيجابية واستراتيجية، ولا نريد في سورية أن نبقى في خانة تفَهُّم الدور الأردني باستمرار، فتضغط أمريكا عليها في قادم الأيام، فتكون الأردن خاصرة ضعيفة لسورية، نحن لا نريد ذلك.

علوش كشف أنه قام خلال الفترة الماضية بتسليم الخارجية الأردنية أكثر من سبع مذكرات لفتح المعبر، يعلم فيها الجانب الأردني برغبة دمشق بفتح معبر نصيب، لكنه قال أن رئيس الوزراء الأردني السابق رد بالقول “سنشاور حلفاؤنا لأنهم لا يسمحون لنا”، إذاً فموضوع إغلاق معبر نصيب لم يكن بناء على إرادة أردنية، وقبل إغلاق المعبر كانت تسيطر عليه جبهة النصرة وكانت الأردن تصدر عبر جبهة النصرة لمدة سنتين، وهذا الكلام قاله أحد المسؤولين الأردنيين للقائم بالأعمال السوري.

المسؤولون السوريون يؤكدون أن افتتاح معبر نصيب الحدودي مع الأردن سيكون قريباً جداً، لأن الرغبة السورية تحولت إلى إرادة أردنية كذلك، فالأردنيون يريدون فتح المعبر وتحدثوا عن ذلك، لأن العوامل الضاغطة على الأردن سابقاً انتهت، لكن دمشق تتحدث عن عامل وحيد معرقل في هذه القضية، هو العامل الإسرائيلي، لأن إسرائيل تريد أن تضغط بما يحفظ مصالحها، فهي تطمع بوجود مناطق آمنة في الجنوب السوري وقد اعتمدوا لتحقيق ذلك على جماعة جبهة النصرة في القنيطرة، وجيش خالد بن الوليد.

إذاً، لأول مرة منذ سنوات، تبدو بوادر الألفة واضحة بين الأردن وسورية من جديد، بل إنها مرشحة لتفعيل علاقات أفضل مما كانت عليه قبيل الأزمة. هذه الكلمات وردت على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، الذي رأى أن العلاقات مع سورية مرشحة لمنحى إيجابي، آملاً بعلاقات أفضل.

يضاف إلى ذلك أن اتفاق التهدئة في الجنوب السوري مازال صامداً إلى الآن، ما يؤسس لمزيد من الخطوات التي ترسخ الاستقرار في جنوب سورية، وباقي أرجاءها خلال المرحلة المقبلة، أيضاً، قضية فتح المعابر بين سورية والأردن والتي حتماً ستوفر مصلحة مشتركة للبلدين، وتبقى النقطة المشتركة بين الحكومة السورية والأردن هي التخلص من التنظيمات المسلحة، والوصول إلى تفاهم مشترك حول آلية تفعيل معبر نصيب الحدودي بإدارة مدنية، بعد أن توصل الأردن إلى قناعة بأن الولايات المتّحدة، وبعد قرارها بإيقاف برنامج دَعم المعارضة السورية وتسليحها، غسلت يديها من الأزمة السورية، وسلّمت الملف السوري بالكامل لروسيا تقليصاً للخسائر.

فالقرار العسكري الذي اتخذته السلطات الأردنية والمتعلق بـ “جيش العشائر” يهدف إلى حماية أمنها القومي والتخلص من ورقة اللاجئين السوريين، لأن طريق العَودة إلى سورية سيكون مفتوح على مِصراعيه أمامهم، للتخلّص من أوضاعهم المزرية في مُخيّمات اللّجوء، كما وستمنع وصول وتمركز التنظيمات المسلحة على الحدود مع سورية.. بانتظار ماستحمله الأيام القادمة من تفاهمات جديدة بين دمشق وعمّان.

معهد ليفانت للدراسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى