تظاهرة 30 يونيو: نهاية مرحلة (حسام عيتاني)

 

حسام عيتاني

سيجد الاحتقان المتراكم في مصر منذ شهور طريقه إلى التعبير عن نفسه يوم الأحد في الثلاثين من حزيران (يونيو) الجاري.
فتراجع الرئيس محمد مرسي عن التعديلات الدستورية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وإقرار الدستور لم يؤدِ سوى إلى تهدئة موقتة في المناخ العام الذي ظلت عوامل الأزمة السابقة حاضرة فيه بقوة.
جليّ أن هناك من يلقي باللوم على مرسي وجماعة «الإخوان المسلمين» جراء كل الصعوبات التي يواجهها المصريون في حياتهم اليومية، بردها إلى فشل الحكومة الحالية في معالجة أي من المشكلات الصغيرة قبل الكبيرة. من هؤلاء من يعارض مرسي معارضة شعبوية بانتقاده إذا تقارب مع إيران واتهامه بفتح أبواب مصر أمام التشيع وخيانة دماء «الأشقاء السوريين» مثلاً، وهم أنفسهم يأخذون عليه تنظيم ذلك المهرجان التضامني مع الشعب السوري وقطع العلاقات مع نظام بشار الأسد، بذريعة أن ذلك لا طائل تحته غير تلميع صورة «الإخوان» وتملق أميركا المناهضة للحكم القائم في دمشق.
يقابل هذا النهج سلوك لا يقل شعبوية يعبر عنه إعلاميو الحركات الإسلامية الموالية لمرسي الممسكون بأعنة وسائل إعلام عدة خصوصاً الأقنية الفضائية والمواقع الإلكترونية التي تعتبر أن مجرد وجود إسلامي في قصر الرئاسة، إنجاز ما بعده إنجاز وبركة حلّت على المصريين سيكسبون منها في الدنيا والآخرة. ولا يعترف أتباع السلوك هذا إلا بـ «فلول» في معارضي مرسي على رغم التنوع الواسع في مشارب هؤلاء السياسية والأيديولوجية.
في منأى عن الدعاية الشعبوية، ينبغي الاعتراف بالارتباك الشديد الذي ميز العام الأول من حكم محمد مرسي. و «مشروع النهضة» الذي بشر «الإخوان» به ورأوا فيه حلاً لكل المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مصر، منح اسمه، للمفارقة، لسدٍّ تبنيه إثيوبيا على النيل وانقلب دليلاً إضافياً على تخبط السلطات المصرية وقصورها، ومعها كل النخبة المتصدية لإدارة شؤون البلاد (على ما أظهره النقل التلفزيوني المباشر لاجتماع مرسي مع عدد من السياسيين، منهم من يصف نفسه بالمعارض). ينطبق الأمر ذاته على الوضع في سيناء الذي يسير من سيء إلى أسوأ، بعد كل عملية «تطهيرية» يقوم بها الجيش للرد على الاعتداءات التي تتعرض لها قوات الأمن في شبه الجزيرة المتروكة منذ عقود للإهمال، ما خلا منتجعات على بعض شواطئها.
ومن إذلال الجنود المصريين في سيناء إلى أعمال العنف المتنقلة بين المحافظات وحوادث الحرق التي تتعرض لها مقرات «الإخوان» إلى تعيين متهم بالتورط بمذبحة السياح الأجانب في الأقصر عام 1997، محافظاً لها، إلى اعتصام المثقفين أمام وزارة الثقافة رداً على التوجهات الشبيهة بتوجهات معلمي المدارس الابتدائية والتي يريد الوزير إدارة الحياة الثقافية في البلد العربي الأغنى بالثقافة بموجبها، وانتهاء باستمرار انقطاع الكهرباء وغياب المحروقات وانفلات الأمن وعدد لا يحصى من المنغصات التي يشكو منها سكان المدن والبلدات المصرية، ترتسم صورة مجتمع بلغ صبره الشهير حدوده القصوى.
لا شك في أن تظاهرة الثلاثين من يونيو ستكون محطة فاصلة في المواجهة التي تزداد وضوحاً بين نظام فاقد للرؤية، وغارق في فشله المتمادي وإدارته القائمة على الولاء للتنظيم، والذي حل مكان الولاء للرئيس منذ ثورة يوليو 1952، وبين مجتمع ما زال مصراً بعد عامين ونيف على ثورة كانون الثاني (يناير) على مطالبه في الحرية والكرامة والعدالة. وهو مجتمع أظهر قدرته في إعادة تعريف مطالبه وتجديدها، ورفع شعارات جديدة مع كل انتكاسة كانت تصاب بها التحركات السابقة أو القرارات التي تتخذها السلطات، على غرار الأحكام في قضايا المسؤولين في عهد حسني مبارك.
في صميم هذه المواجهة تكمن مشكلة الشرعية التي تنفيها المعارضة عن مرسي على رغم اعترافها بصحة انتخابه. نجاح مبادرة «تمرد» يقول شيئاً مهماً عن تقويم ملايين من المصريين لمعنى الشرعية التي يصر مرسي ومن ورائه «الإخوان» على تكرارها. خلاصة الفكرة أن الشرعية مشروطة بتنفيذ الالتزامات التي جرى على أساسها التفويض. نقض الرئيس لالتزاماته، يسقــط عنه شرعية الانتخاب.
مفهوم أن الكلام هذا لا يتفق مع الأسس الدستورية والقانونية التي تشتغل في هديها الحكومات، حتى الأكثر ديموقراطية منها. لكنها مقاربة تتسم بأهمية كبيرة في ظل غياب أي هيئة منتخبة في البلاد خصوصاً بعد طعن المحكمة الدستورية بشرعية مجلس الشورى واعتبار قراراته والقوانين الصادرة عنه غير دستورية.
تبرز هنا أزمة عويصة إضافة إلى العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية. وفي إطار لعبة شديدة التعقيد من الولاءات المتداخلة، القديمة والجديدة، وفي ظل تنازع على الشرعية، يبدو القضاء المصري، بدوره ساحة حرب ضروس بين التيارات السياسية المتصارعة.
وفي وقت يؤكد منظمو التظاهرة أنها ستكون الضربة القاضية لنظام «الإخوان»، يحذر ناشطون مصريون من أن «الإسلام السياسي» لن يستسلم بهذه السهولة وأنه يعد بعض الأوراق التي سيظهرها تباعاً. ومنها إمكان اللجوء إلى العنف إذا بدا أن مرسي وحكومته فقدا السيطرة على الشارع، ومنها أيضاً تلميع صورة زعيم حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي السابق في «الإخوان المسلمين» كشخصية إسلامية معتدلة تملك تصوراً مقبولاً للخروج بالبلاد من أزماتها الكثيرة.

صيفة الحياة اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى