شرفات

تفاؤل الدكتور عبد العزيز الخير أم رضا أسعد!

عماد نداف

صديقي رضا أسعد الذي يرسل من واشنطن مادته الشهرية (نوافذ) كتب مؤخرا عن التفاؤل وطول العمر، مستندا إلى بعض الدراسات، وهي دراسات غربية تؤكد أن الإنسان المتفائل يمكن أن يكون عمره أطول من الإنسان المتشائم..

لا أعرف لماذا جعلتني كلماته أذهب إلى تجربتي في هذا الموضوع، تماما كما يحصل مع أي قارئ يتأثر بمعلومة صحية، فيبحث عن صحتها في جسده، ليتأكد من أنه بخير، أو أن الأعراض التي قرأها تنطبق على الأعراض التي تظهر عنده وتثير قلقه ..

وأنا فعلت ذلك.. لقد دفعني رفيق الشباب رضا أسعد إلى أن أستعيد تجربتي في الحياة، فصديقي الراحل الدكتور عبد العزيز الخير، وكان أحد رموز المعارضة السورية الذي استشهد من أجل مواقفه، زارني في البيت قبل نحو أربعين سنة، وكان قد تخرج طبيبا للتو، وفي جعبته جهاز يدوي حديث لفحص القلب،  أهدي له بسبب تفوقه ، فأصر أن أكون أن أول من يفحص به مرضاه ..

فحصني الدكتور عبد العزيز فعلاُ، وذكر لي عدد نبضات القلب والضغط  كما ظهرت في الجهاز، ثم قال : أنت ستعيش طويلاً، مؤكدا أن الشرايين جيدة والضغط  وعدد النبضات ينبئ بذلك، وهو رأي علمي..

عشت أقسى الظروف أراهن على المستقبل، كنت أشعر أن زمن المحنة سينتهي، حتى تحول تفاؤلي في البيت والعمل وبين الأصدقاء إلى (مفارقة) تقول إن عماداً متفائل لا تسألوه عن رأيه، ومهما كانت الظروف سيخبركم بتفاؤله قبل أن يجيب على سؤال يتعلق بحل أي أزمة .

في ظروف السجن ، لم نكن نعرف متى يطلق سراحنا، وكان يمكن أن نموت لسبب أو لآخر، ورغم أنني كرهت ممارسة السياسة، وقررت أنها لن تكون مهنتي، و أنني لست أهلا لها، إلا أنني كنت أشتغل على الوقت وكأنني سأخرج في اليوم التالي ..

كانت السلطات الأمنية تعمل على زرع اليأس في نفوس جميع المعتقلين، فالمعتقل لا يعرف لماذا دخل السجن، ومتى سيخرج منه، وهل سيخرج حيا أم ميتا، بمعنى آخر كل الطرق مسدودة ، وكنت أعتقد أننا سنخرج أحياء، وسأسعى لذلك، وأشتغل على هذا الأساس..

داخل السجن كتبت القصص وبوبتها على أساس مجموعات للنشر، وكتبت النقد، وأجريت حوارات ثقافية وتوثيقية مع أشخاص لن يتوقع أي صحفي أنني أجريتها في ظروفها الصعبة داخل السجن..

وصل عدد الأوراق المكتوبة عندي إلى عدة آلاف من الصفحات جاهزة للاستثمار في أي بحث أو مشروع ثقافي ، وتمسكت بها وتمكنت من إخراجها عند إطلاق سراحنا المفاجئ بعد عشر سنوات..

كنت أستيقظ صباحاً، فأقرأ القرآن الكريم بعمق فأرتاح، ثم أقرأ لينين بعمق فيشتعل ذهني بالتفكير والبحث عن هويتي الحقيقية، ثم ألعب الرياضة الصباحية، وأمشي في كل مساحات التنفس المتاحة، شأني شأن الآخرين، وتعلمت استخدام أحلام اليقظة للتفكير بتطوير أي مشروع ، وكنت أرتب الأمور للاحتمالات الأسوأ ، فماذا لو سدت طرق العمل في الثقافة والإعلام أمامي، ووجدت بدائل على أرضية أن الحياة يجب أن تستمر..

مر زمن طويل ، ووجدت كل هذا الجهد أمامي في عملي ، نشرت المجموعات بعد تعديل طفيف فيها، ونشرت بحوثا نقدية كتبتها في السجن، وظل التفاؤل منهجي في الحرب، فأنا لن أهاجر، ولن أصبح لاجئا، فالحرب ستنتهي، والظلم سيتوقف، والبؤس سيزول، وعندنا سئلت كيف؟ أجبت بثقة !

لقد أقسم صديقي الإعلامي رائف مرعي أن جوابي الحرفي كان بعبارة واحدة تقول إنه بلحظة واحدة سيستيقظ السوريون على انهيار منظومة النظام وسقوطه (لا تعذبوا أنفسكم)..

وعندما أحلت إلى التقاعد قبل نحو عشر سنوات كان في جدول أعملي خطط للعمل تحتاج إلى عشر سنوات ، وقد نفذت جزءا منها وأتابع الباقي ..

يعني ببساطة (أنا متفائل)، ولكن هل صحيح أن تفاؤلي أطال عمري كما ورد في مقال الكاتب رضا أسعد  صديقي المهاجر، أم أن السبب يعود إلى الفحص الطبي التنبؤي الذي أجراه العزيز الراحل الدكتور عبد العزيز الخير وهو يبدأ حياته الطبية في خضم حياته السياسية في الثما نيات من القرن الماضي..

لا أعرف !

صدقوني لا أعرف، فأنا أعتقد أن الإيمان هو سبب آخر ينبغي الانتباه إليه .

 

((للحديث صلة))

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى