تحليلات سياسيةسلايد

تفاصيل عملية اغتيال قادة الرضوان في ضاحية بيروت..

نور علي

أعلن “حزب الله” اللبناني بعد يوم طويل وثقيل استشهاد القائد العسكري الكبير إبراهيم عقيل المعروف بالحاج عبد القادر، والقائد أحمد محمود وهبي الحاج أبو حسين سمير في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت بناية من سبعة طوابق في منطقة مكتظة في الضاحية الجنوبية لبيروت وأسفرت عن استشهاد 14 شخصا وإصابة نحو ستين آخرين.

 

عقيل كان يرأس اجتماعا لقادة قوة الرضوان الذراع الضاربة في حزب الله والقوة التي عمل عليها حزب الله طوال سنوات لتكون طليعة القوات التي ستدخل برا إلى الجليل في حال اندلاع الحرب الشاملة بين المقاومة.

وحسب المعلومات المتقاطعة فإن الدعوة لهذا الاجتماع كانت سرية للغاية واتخذت من أجله احتياطات أمنية كبيرة ولم تستخدم أي وسائل اتصالات سلكية أو لاسلكية وهو ما يعزز نظرية الاختراق البشري الذي مكّن إسرائيل من معرفة موقع الاجتماع وتحديده بشكل دقيق وبالتالي استهدافه.

اجتماع قادة حزب الله السرّي جرى في الطابق الثاني تحت الأرض لمرآب سيارات يقع بين بنايتين سكنيتين في منطقة الجاموس في الضاحية الجنوبية لبيروت، واستطاعت الصواريخ الإسرائيلية النفاذ إلى المكان وتدميره ما أدى إلى انهيار البناء فوق القبو تحت الأرض، حاولت فرق الإنقاذ الوصول إلى المكان من بين الركام، ولهذا تأخر إعلان حزب الله عن استشهاد عقيل وعدد من القادة معه، واستغرقت محاولات رفع الأنقاض حتى ساعات مساء امس لمعرفة مصير القادة.

وتقول بعض المصادر إن بعضهم نجا من الموت وأصيبوا إصابات بالغة، وعلى عادة حزب الله فإنه يبلغ ذوي الشهداء أولا ويجري ترتيبات لوجستية محددة قبل إصدار بيان يعلن فيه الاستشهاد، كما أنه يتكتّم على هوية المصابين والجرحى.

إسرائيل علمت بشكل مفاجئ بالاجتماع، واتصل رئيس الأركان هليفي بنتنياهو للمصادقة الفورية، ومن ثم ذهبت إسرائيل للتنفيذ عبر أحدث طراز من طائراتها إف 35 وضربت البناء بأربعة صواريخ موجهه اخترقت الطوابق وصولا لمكان الاجتماع، لكن كيف وصلت المعلومة لإسرائيل، هل هو خرق بشري؟ وما حجمه ومستواه، أم خرق تكنولوجي وكيف تم بعد أن اخذ الحزب كل الإجراءات ضد الاختراق التكنولوجي، وأساسا استعبد التكنولوجيا والاتصالات عن دائرته الضيقة بعد العملية الإسرائيلية بتفجير أجهزة البيجر والأجهزة اللاسلكية في مناطق متعددة في لبنان وبوقت واحد يومي الثلاثاء والأربعاء. نظرية الاختراق البشري هي حتى الآن أقرب للواقع، وهذا يضع الحزب أمام تحدّي الكشف عن مصدر التسريب وطريقته، ليتفادى ضربات إسرائيلية إضافية.

استهداف لجنة قيادة الرضوان لا شك أنها ضربة كبيرة وموجعة للحزب، فهي تأتي مباشرة بعد استهداف لبنان بتفجيرات غير مسبوقة وعلى مدار يومين، وبعدها الغارات المكثفة وغير المسبوقة على قرى وبلدات الجنوب اللبناني، وبعد يوم من خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي توعد فيه إسرائيل بالرد، لكن حزب الله اكتفى حتى الان بإصدار بيانين، الأول عسكري يعلن فيه استهداف مقر الاستخبارات بالصواريخ كرد مباشر على الاستهداف، والثاني بعيد منتصف الليل أمس يعلن فيه استشهاد القائدين عقيل ووهبي على طريق القدس.

أهمية القادة الشهداء:

الشهيد إبراهيم محمد عقيل المعروف بالحاج عبد القادر من الجيل المؤسس لحزب الله، وكان قائدا عسكريا خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 82 وابرز قادة عمليات المقاومة اللبنانية في فترة ما قبل العام 2000 في القرى والبلدات اللبنانية المحتلة، وشغل في 2008 موقع معاون الأمين العام لشؤون العمليات وعضوا في المجلس الجهادي، وهو من ابرز القادة العسكريين في حرب تموز 2006، واشرف شخصيا على تأسيس وتطوير وقيادة قوة الرضوان في حزب الله

أما الشهيد احمد محمود وهبي الحاج أبو حسين، التحق بصفوف حزب الله منذ التأسيس، تعرض للاسر لدى الاحتلال الإسرائيلي عام ١٩٨٤، وكان من القادة الميدانيين في كمين انصارية الشهير عام ١٩٩٧، تولى مسؤولية التدريب في قوة الرضوان، ومسؤولية وحدة التدريب المركزي، تولى مسؤولية قيادة وحدة الرضوان وهو القائد العسكري لقوة الرضوان خلال عمليات جبهة الاسناد بعد طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر.

حزب الله حتى كتابة هذه السطور لم يُصدر إلا بيانات النعي للشهداء، وبيان عسكري واحد حول هجوم صاروخي على مقر الاستخبارات الرئيسية في المنطقة الشمالية، المسؤولة عن الاغتيالات، ولم يتحدث عن الرد على هذا الاستهداف الكبير والخطير للبنية العسكرية الأساسية في المقاومة.

عملية الاغتيال وما سبقها من يومين دمويين في لبنان، أحدثا صدمة لدى جهور المقاومة، ويعي حزب الله أن أهم أهداف إسرائيل بالإضافة إلى التأثير في البنية العسكرية للحزب هو المس بالروح المعنوية لبيئة المقاومة، والعمل على جعلها تفقد الثقة بقدرات المقاومة وفعالية الردع لديها، لذلك عمدت إسرائيل إلى عمليات اختراق جدار الصوت فوق بيروت والجنوب والبقاع، وتنفيذ غارات وهمية والتحليق على ارتفاعات منخفضة بهدف بث الذعر لدى السكان، يترافق ذلك مع حملة إسرائيلية عبر حسابات عربية وذباب إلكتروني على وسائل التواصل الاجتماعي كثفت من نشاطها وكلها تشتم المقاومة ورموزها وتهاجم الآراء والحسابات الداعمة للمقاومة في لبنان وفلسطين، وقد لوحظ خلال الأيام الثلاثة الماضية حركة نشطة لهذه الحسابات وكأنها تلقّت أمر عمليات واحد من مصدر واحد.

المواقف الدولية

وعلى صعيد المواقف كان لافتا ثلاث إشارات صدرت عن إيران بيوم واحد، فقد نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن رئيس مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي أن الرد الإيراني على جريمة اغتيال إسماعيل هنية بات وشيكا، بينما قال قائد حرس الثورة اللواء حسين سلامي في رسالة إلى السيد نصر الله أن إسرائيل ستواجه ردا ساحقا.

وترافق ذلك مع ما أعلنه مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، أن بلاده تحتفظ بحقها في الرد وفقًا للقانون الدولي على الهجوم الذي أدى إلى إصابة سفيرها في لبنان مجتبى أماني.

هذه الإشارات وفق خبراء في بيروت تزامنها ليس مصادفة، وقد تدل على ان ايران حزمت امرها بشأن الرد العسكري وان الرد بات وشيكا، وانها تستعد فعليا لتحرك عسكري، خاصة ان إسرائيل تعتقد انها تجاوزت مخاطر الرد الإيراني، ولم يعد موضوع الرد في التداول السياسي والإعلامي في إسرائيل، وربما من اجل ذلك إعادت الولايات المتحدة حاملة طائراتها الى الشرق الأوسط من جديد، فقد اعلن البنتاغون امس الجمعة ارسال حاملة طائرات ” ترمان ” وفرقاطات عسكرية أميركية إلى المياه الإقليمية في شرق المتوسط.

الموقف الأمريكي عموما يبدو عديم التأثير في مجريات التصعيد، فقد صدرت عدة بيانات وتصريحات منذ الثلاثاء الماضي، كلها مكررة تتراوح بين عدم العلم او المعرفة، وجمع المعلومات، والتحقق، والرغبة في عدم التصعيد وتوسيع الحرب، فيما كرر بايدن كلاما لا جديد فيه عن العمل من اجل الصفقة ووقف النار في غزة، وهي كلمات لم يعد لها أي معنى او اهتمام من الأطراف في المنطقة او وسائل الاعلام، ما يمكن اعتباره جديدا وان كان أيضا يقع في دائرة عدم التأثير هو ما قاله المنسق الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك إن بلاده لا تتفق مع الحكومة الإسرائيلية بأن الحرب في لبنان ستُعيد السكان إلى الشمال. الجميع يشير باصابع الاتهام للإدارة الامريكية بانها شريكة بحفلة الجنون التي يقيمها نتنياهو وعصبة اليمين المتطرف من حوله.

وشهدت جلسة مجلس الامن الدولي المخصصة للبنان ليلة امس ما يشبه عملية الجلد لإسرائيل، عبر كثافة بيانات الإدانة في مداخلات المندوبين

فقد اكّد مندوب الصين في مجلس الأمن، فو تسونغ، أن تفجير آلاف أجهزة الاتصال في وقتٍ واحد في لبنان “أصاب الصين بالصدمة”، مؤكّداً أنّ التاريخ لم يسمع بحادث كهذا “وهو انتهاك للقانون الدولي وينمّ عن استخفاف بالقوانين ويستحق الإدانة”. اما المندوب الروسي فقد أكد أن “إسرائيل” ما كانت لتلجأ إلى هذا النوع من الإرهاب لولا دعم الولايات المتحدة. مندوب الجزائر قال ان ستهداف أجهزة الاتصالات في لبنان، “يرقى إلى أن يكون جريمة حرب وادانت مندوبة اليابان و مندوب كوريا الجنوبية وموزنبيق وغانا وسويسرا، فيما قالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الانسان فولكر توك في الجلسة ان هجمات إسرائيل بأجهزة الاتصالات تنتهك القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني وان ارتكاب العنف بهدف نشر الرعب بين الناس يعد جريمة حرب

وقد تنصّل مندوب الولايات المتحدة أمام مجلس الأمن من دور بلاده في الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، قائلاً: “لم يكن للولايات المتحدة أي دور في الهجوم الذي وقع في لبنان”

حذر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تل أبيب تدفع نحو حرب بالمنطقة، وفق وسائل إعلام إسرائيلية. رد نتنياهو على ماكرون بالقول “بدلا من الضغط على إسرائيل، حان الوقت لفرنسا من أجل زيادة الضغط على حزب الله لوقف هجماته”.

إسرائيل تتعامل بصلف وغرور مع كل المجتمع الدولي والقانون الدولي والمؤسسات الأممية، وتواصل حرب الإبادة بغزة وتدفع نحو تمددها الى لبنان بزيادة وتيرة القتل، والضفة الغربية، وتدفع المنطقة الى حرب قد تكون هي الخاسر الأكبر فيها.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى