تحليلات سياسيةسلايد

تفاصيل مخطط إسرائيل لحكم غزة بعد انتهاء الحرب..

نادر الصفدي

بعد التورط بأزمة الاجتياح البري لقطاع غزة، والضربات القاسية التي تتلقاها من المقاومة الفلسطينية ليلا ونهارًا وفشل مخططات القتل والتهجير والإبادة التي مارستها طوال أيام الحرب، تحاول إسرائيل الآن وبكل جهد الخروج من هذا المأزق وعرض خيارات وخطط على الطاولة تحفظ “ماء وجهها” لليوم التالي لانتهاء الحرب على غزة.

 

الكثير من المخططات عرضتها إسرائيل على أمريكا والدول العربية والغربية، حول مستقبل غزة “الذي لا يزال غامضًا حتى اللحظة”، فمن تلك المخططات التي لا يمكن تطبيقها وأخرى كانت من وحي الخيال، إلا أن هذه المرة عرضت “تل أبيب” ورقتها الأخيرة لتحدد مصير غزة مدنيًا وعسكريًا.

“تسليم غزة للعشائر لحكمها مدنيًا”، هذا ما بدأت إسرائيل الترويج له منذ عدة أيام، فتحولت معظم تصريحات مسؤوليها وإعلامها نحو هذه الفكرة لدعمها ومحاولة فرضها على الواقع، رغم توقع الكثير من المراقبين فشلها وعدم وجود طريق واضحة لتنفيذها في ظل الغموض الذي يسيطر على مصير القطاع، مع مرور 91 يوما على الحرب الدامية التي أكلت الأخضر واليابس ولا يزال للمقاومة وحركة “حماس” الكلمة العليا فيها.

ويخطط الجيش الإسرائيلي لإسناد مهمة إدارة قطاع غزة لفترة مؤقتة إلى “عشائر فلسطينية معروفة للشاباك”، في إطار خطة تتضمن تقسيم القطاع لمناطق تحكمها هذه العشائر وتقوم ببعض المهام هناك.

–      المخطط الأخطر

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن هذه الخطة هي لما بعد الحرب في غزة، إذ ستتولى تلك العشائر مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية وإدارة الحياة المدنية في غزة لفترة مؤقتة.

وقالت “هيئة البث” (كان 11)، إنها ضمن مخططات أعدها الجيش الإسرائيلي، في إطار المناقشات حول “اليوم التالي” للحرب على قطاع غزة، وتتضمن المخططات عمل إسرائيل على تقسيم قطاع غزة إلى مناطق إدارية، بحيث تسيطر “عشائر معروفة للشاباك والجيش” على كل منطقة وتكون مسؤولة عن توزيع المساعدات فيها.

وذكرت “كان 11” أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قال خلال مشاركته في جلسة للجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، إنه “لا جدوى من الحديث عن السلطة الفلسطينية كجزء من إدارة غزة ما دامت السلطة لم تشهد تغييرا جوهريا”.

وأضاف “إذا كانوا جادين في التغيير، فليثبتوا ذلك أولا في الضفة الغربية المحتلة”.

وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من المسؤولين الأمنيين فحص ما إذا كانت هناك قوى محلية في قطاع غزة يمكن التعاون معها واستخدامها في إدارة شؤون القطاع بعد الحرب، وقالت صحيفة “يديعوت أحرنوت”، إن نتنياهو سأل عما إذا كان بالإمكان تعزيز مكانة عشائر مسلحة وجهات محلية ودعمها، بحيث يمكنها السيطرة على أجزاء من قطاع غزة.

وجاء توجه نتنياهو في الوقت الذي أعلن فيه أنه يرفض تسلم السلطة الفلسطينية قطاع غزة بعد الحرب، رافعاً شعاره الشهير “لا حماسستان ولا فتحستان”.

ويسعى نتنياهو إلى إيجاد جهة تتولى إدارة الشؤون المدنية، بحيث يحتفظ الجيش بالسيطرة الأمنية، وهو تصور يثير خلافاً مع الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل في الحرب، والتي ترفض إعادة احتلال أي جزء من قطاع غزة أو تقليص مساحته، وتدعم تولي سلطة فلسطينية واحدة “مؤهلة”، الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيشعل غضب مصر التي ترفض بشكل قاطع هذا المخطط.

وتحاول إسرائيل بهذا المخطط استنساخ تجربة “روابط القرى” الموجودة في الضفة الغربية المحتلة، وتطبيقها في قطاع غزة.

و”روابط القرى”، هي عملية تنظيمية طبقتها الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية عام 1978 في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد (المؤلفة من قسمين، الأول متعلق بإدارة الضفة وغزة، والثاني بعملية السلام بين إسرائيل ومصر)، تحت الإدارة المدنية الإسرائيلية.

وكانت الأهداف المعلنة لهذه الروابط القروية هي حل المنازعات والخلافات السكانية ومساعدة المزارعين في تحسين أوضاعهم الاقتصادية، إلا أن الأهداف الحقيقية لتلك الروابط كانت دعم سلطات الاحتلال لها بالمال والسلاح، في محاولة لخلق قيادة فلسطينية بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية تكون مستعدة لتأييد كامب ديفيد، وقادرة على المشاركة في مفاوضات الحكم الذاتي وتنفيذ مخطط إسرائيل للإدارة المدنية وتولي المناصب أو المهام التي توكل إليها في هذا السياق. وأثارت خطة “روابط القرى” في قطاع غزة، أسئلة حول قبول مصر للفكرة، باعتبارها طرفاً ذا مصلحة في تحديد مستقبل قطاع غزة.

–      فكرة لا يمكن تطبيقها

الهيئة العليا للعشائر الفلسطينية في قطاع غزة، ردت على ما ورد في تقارير إسرائيلية بشأن إمكانية تعزيز دورها العشائر للسيطرة على القطاع.

وقال عاكف المصري المفوض العام للهيئة العليا للعشائر الفلسطينية في قطاع غزة، إن “مثل هذه التصريحات المرفوضة والمشبوهة والتي تسعى من خلالها دولة الاحتلال للتغطية على فشلها في غزة، إلى خلق البلبلة والفتنة في المجتمع الفلسطيني”.

ونقلت وكالة “معا” الفلسطينية عن المفوض العام للعشائر الفلسطينية، تأكيده أن العشائر والعائلات الفلسطينية تمثل الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية التي “مرغت أنف الاحتلال في رمال غزة”.

وطالب المصري “بقرار وطني يرتقي إلى مستوى التضحيات والإسراع في إنهاء الانقسام وتشكيل قيادة وطنية موحدة وحكومة موحدة لتفويت الفرص على كل مخططات الاحتلال”.

كما دعا المسؤول العشائري كل الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية إلى التحرك العاجل لوقف حرب الإبادة وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية والإغاثية، وضمان إيواء المواطنين لحين إعادة الإعمار وإجراء انتخابات عامة تعيد بناء المؤسسات الفلسطينية، وتضمن استمرار النضال الوطني الفلسطيني لحين تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

من جانبه رأى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، أن مسألة “روابط القرى” فاشلة “لعدة أسباب، أولاً أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لا يمكن أن يقبلوا بمثل هذه الطروحات الإسرائيلية، ومن المؤكد أن هناك رفضاً إقليمياً لمثل هذه الطروحات من جانب الدول العربية المجاورة لقطاع غزة خصوصاً مصر”.

وتابع: “أعتقد أن مثل هذا هذه المشاريع الإسرائيلية سوف تفشل على المستوى الشعبي الفلسطيني، لأنه بعد هذا العدد الكبير من الشهداء والتضحيات، لا يمكن أن يقبل الشعب بمثل هذه المشاريع التي تعمّق من الاحتلال، وتزيد من المأساة الفلسطينية”.

وأضاف أبو سعدة: “حديث الاحتلال عن إدارة قطاع غزة من قبل العشائر والعائلات، ما هو إلا عبارة عن أوهام إسرائيلية من وجهة نظري، فقد جربت إسرائيل مثل هذه الخطط عندما كانت تحتل قطاع غزة بشكل مباشر، بدءاً من عام 1967 وحتى توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993، وقد كان هناك مخطط من خلال تفعيل الإدارة المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لسببين، أولهما أن منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولم يجرؤ الفلسطينيون على تجاوز منظمة التحرير ممثلهم الشرعي والوحيد. والسبب الثاني هو أن العائلات والعشائر التي ارتبطت مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تمت مقاطعتها شعبياً، ولذلك فإن مثل هذه الأفكار القديمة، لا يمكن لها أن تلقى أي قبول شعبي”.

وتابع أبو سعدة: “بعد أن قطع الشعب الفلسطيني هذا الشوط الطويل في مقاومة الاحتلال ومقاومة الاستعمار الإسرائيلي، كيف له أن يجد نفسه من جديد ضمن المخططات الإسرائيلية لإدارة قطاع غزة من خلال روابط القرى، ومن خلال قيادات العشائر؟”.

وختم أبو سعدة قائلاً: “لا بديل عن أفق سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال بشكل كامل، وحل سياسي يؤدي إلى دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، في أراضي 1967، وغير ذلك، هو فقط محاولة من قبل (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، لتحسين صورته أمام اليمين المتطرف في إسرائيل”.

وكانت العديد من السيناريوهات طرحت لما بعد الحرب وحكم غزة في الأروقة الدولية، ومن بينها عودة السلطة الفلسطينية إلى حُكم القطاع، مع تعديلات عليها أو تسليم الحكم لحكومة تكنوقراط، أو حتى إشراف مصري مع قوة سلام دولية لحفظ الأمن على الأرض، إلا أن أياً منها لم ينل نصيبه من التوافق الدولي والإقليمي بعد.

علماً أن استطلاعاً للرأي أجراه مؤخراً “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية”، وهو معهد مستقل مقرّه في رام الله، أظهر أن ما يقرب من ثلثي الفلسطينيين الذين شملهم 64% يعتقدون أن حماس ستحتفظ بالسيطرة على القطاع بعد انتهاء الحرب.

بالمقابل توقّع 11% ممّن شملهم الاستطلاع أن تتولّى حُكم القطاع حكومة وحدة وطنية تابعة للسلطة الفلسطينية لكن بدون الرئيس محمود عباس، مقابل 7% فقط مع عباس.

ويبقى التساؤل المطروح في ظل هذه التطورات..

ما مصير غزة بعد انتهاء الحرب؟ ومن الذي سيحكمه؟ وماذا عن “حماس” وأوراقها القوية؟

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى