تقارب روسي جزائري يذهب إلى أبعد من مجرد تعاون عسكري
يذهب التقارب الروسي الجزائري خاصة في المجال العسكري إلى أبعد من مجرد تعزيز للعلاقات، حيث تشكل المناورات العسكرية الروسية الجزائرية في منطقة بشار على الحدود المغربية إلى جانب طابعها الاستفزازي حيال المملكة، رسالة روسية إلى الغرب مفادها قدرة موسكو على التمدد والنفوذ في منطقة إستراتيجية بالغة الحساسية بالنسبة لأوروبا وللولايات المتحدة.
وينظر إليها أيضا على أنها محاولة روسية للبرهنة على قدرة موسكو على الانتشار عسكريا بالقرب من العمق الجغرافي للمصالح الغربية غرب المتوسط. كما أن من بين أهم أهدافها إعادة تفعيل قاعدة حماقير.
وفي الوقت ذاته لا تدخر الجزائر جهدا أو فرصة لإزعاج المغرب وسط توترات بين البلدين تفاقمت العام الماضي لكن يبقى أساسها السياسة العدائية الجزائرية تجاه المملكة والعمل على تأجيج النزاع في الصحراء عبر دعم مالي وعسكري لجبهة البوليساريو الانفصالية، في مسار تصعيدي يروم التشويش على جهود مغربية ودولية لتسوية النزاع سلميا على أساس مقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة وهو المقترح الذي تعارضه الجارة الشرقية.
وتأتي المناورات الروسية الجزائرية على مرمى حجر من أوروبا التي دخلت في عمليا في معركة مع روسيا على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي وما تبعه من أزمة طاقة باتت تطرق أبواب القارة الأوروبية.
ورغم نفي الخارجية الروسية أن تكون المناورات المشتركة مع الجزائر موجهة لبلد ثالث، في إشارة إلى المغرب، فإن توقيتها وارتباطها بالقوات الروسية وليس بمجموعة مرتزقة فاغنر، يكشف خطورتها وتأثيرها في الوقت ذاته على علاقة الجزائر بأوروبا والولايات المتحدة.
وأرسلت روسيا 100 جندي إلى الجزائر للمشاركة في المناورات التي انطلقت الأربعاء والتي تأتي بعد أقل من شهر من مناورات بحرية بين البلدين قبالة الجزائر العاصمة، في حين شاركت الجزائر في مناورات فوستوك 2022 العسكرية في شرق روسيا العام الماضي.
ويرى محللون أنه لا يمكن النظر إلى المناورات الروسية الجزائرية بمعزل عن صفقة عسكرية ضخمة مع روسيا تقدر قيمتها بنحو 17 مليار دولار، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة إسنادا ماليا لموسكو في حربها على أوكرانيا وهو أيضا دعم يخالف جهود غربية بقيادة واشنطن لتضييق الخناق المالي على الروس.
واختيار قاعدة حماقير يعتبر إلى حد كبير رمزيا ومستفزا للغرب وفرنسا فهي آخر قاعدة عسكرية بقيت فيها القوات الفرنسية ولم تغادرها سوى في 1967 حسب اتفاقية إيفيان، وأطلقت منها فرنسا أول صاروخ إلى الفضاء، وفق ما ورد في تقرير نشرته ‘العرب’ اللندنية.
وتقول الجزائر إن الهدف من هذه المناورات التدريب على مواجهة الجماعات المتطرفة، لكن لا يبدو أن روسيا التي تمتلك قوة عسكرية واستخباراتية ضخمة في حاجة لمثل هذه المناورات، ما يحيل إلى أهداف أخرى غير معلنة لا تخرج عن سياق محاولة موسكو جعل الجزائر جبهة متقدمة في إستراتيجيتها للمواجهة العسكرية مع الغرب والتي ستلجأ إليها لتزويدها بمجال لقوتها العسكرية الضاربة حيث سيجعل ذلك من الحدود الجزائرية – المغربية خط تماس بين منطقة التأثير الغربية وفضاء نفوذ القطب السوفييتي سابقا.
ويُسائل التقارب الروسي الجزائري في خضم الاضطرابات الجيوسياسية الأخيرة، صبر القوى الغربية وخاصة أوروبا على علاقاتها بالجزائر التي تستفيد من عائدات مالية ضخمة من عقود الطاقة مع الشركاء الأوروبيين، بينما تمضي هي (الجزائر) في تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا.
ويرجح المحللون أن صبر القوى الغربية على الاستفزازات الجزائرية لن يطول وأنها قد تجد نفسها مضطرة لمراجعة علاقاتها مع الشريك الجزائري الذي فتح منافذ أوسع للروس للتمدد في عدد من الدول الإفريقية.
وتنظر روسيا للجزائر كما ليبيا كبوابتين مهمتين للعمق الإفريقي الذي يعتبر بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فضاء حيويا لمصالح كليهما، فيما تسعى موسكو لتعزيز وجودها في إطار صراع على النفوذ والتمدد مع القوى الغربية.
وفي علامة على حالة القلق التي يثيرها السلوك الجزائري، سبق أن وجه 27 عضوا من الكونغرس الأميركي رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن طالبوا فيها بفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية بسبب ما اعتبروه “صفقات أسلحة بالمليارات مع روسيا”.
وأثار هؤلاء البرلمانيين بقيادة عضو الكونغرس الجمهورية ليزا ماكلين في رسالتهم مخاوفهم بشأن “تنامي العلاقات الوثيقة بين الجزائر وروسيا”، مشيرين إلى توقيع الجزائر خلال العام الماضي عقود تسلح ضخمة مع روسيا بأكثر من سبعة مليارات دولار تشمل شراء مقاتلات متطورة بينها ‘سوخوي 57’ وهو طراز لم تبعه موسكو لأي دولة.
وتشير صفقات التسلح الجزائري من روسيا إلى أن الجزائر باتت ثالث أكبر مستورد للأسلحة من روسيا لتمثل بذلك أكبر مصدر تسلح بالنسبة للجانب الجزائري.
ودعا الأعضاء الـ27 في الكونغرس الأميركي الرئيس جو بايدن لتطبيق قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال عقوبات قانون ‘كاتسا’ الذي أقره الكونغرس في عام 2017.
وكانت الإدارة الأميركية السابقة بقيادة الجمهوري دونالد ترامب قد فرضت عقوبات على تركيا وفق لهذا القانون بعد أن مضت أنقرة في شراء منظومة الصواريخ الروسية اس 400 متجاهلة تحذيرات واشنطن وحلف الناتو (وتركيا عضو فيه) من إتمام الصفقة.
ومن غير المستبعد أن تجد الجزائر نفسها في مأزق، فالتقارب مع روسيا يضعها في مواجهة مع شركائها الغربيين على أكثر من صعيد بينما تكابد للخروج من أزمة اقتصادية وتسعى جاهدة لفتح المزيد من المنافذ لصادراتها من النفط والغاز للوجهات الغربية وخاصة الأوروبية.
ميدل إيست أون لاين