تقييم أسهم الشركات المصرية بالبورصة.. فساد أم سوء تقدير؟
تسبب هبوط أسهم شركة راميدا للأدوية -آخر طروحات الشركات المصرية بالبورصة- في جر سائر أسهم الشركات المقيدة بالبورصة للهبوط، ليحقق سهم الشركة خسائر بنحو 10% خلال اليومين الأولين من الطرح وكانت شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية المعروفة اختصارا باسم “راميدا” قد طرحت 49% من أسهمها بالبورصة بسعر 4.66 جنيهات للسهم (الدولار بنحو 16 جنيها).
ورداً على سؤال لأحد الصحفيين عما إذا كانت الشركة لم تستعد جيدا للطرح والترويج للاكتتاب، قال مسؤولون في الشركة خلال المؤتمر الصحفي تعليقا على الطرح، إن شركات الأدوية “لا تحتاج إلى ترويج”، وإن سوء حالة السوق “غير مهمة بالنسبة لهم”.
وواصل السهم خسائره في اليوم الثاني على التوالي لدرجة دفعت إدارة البورصة لتطبيق قاعدة الإيقاف عند تجاوز حركة السهم حد 5%، ثم استرد السهم بعضا من خسائره في اليوم الثالث للتداول وربط مراقبون بين هذا المشهد ومشهد مماثل أواخر العام الماضي حينما هوت ثروة كابيتال فور طرحها للاكتتاب العام وسببت خسائر ضخمة للمكتتبين.
وخلال العام الجاري، دخلت اثنتان من شركات القطاع الخاص سوق الأسهم، أولاهما “فوري” لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية، التي طرحت 36% من أسهمها في البورصة في أغسطس/آب الماضي ولقيت إقبالا كثيفا من المستثمرين وتلت “فوري” شركة “راميدا” من خلال تخارج مستثمرين من الشركات وليس زيادة رأسمال، وشهد الطرح تغطية الاكتتاب 36 مرة.
دفع هبوط سهم راميدا البرلماني محمد فؤاد إلى التقدم بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الاستثمار والتعاون الدولي بشأن تراجع مؤشرات البورصة المصرية وانخفاض سهم راميدا للأدوية وتراجعت البورصة المصرية بشكل جماعي في ختام تعاملات الأسبوع الماضي، مما أدى لفقدان رأس المال السوقي للأسهم المقيدة بقيمة 8.6 مليارات جنيه وقال فؤاد في طلب الإحاطة، إن هذا “الانهيار” وقع في ظل وجود وافد جديد للبورصة المصرية وهي شركة راميدا “الرائدة” في قطاع الأدوية بالسوق المصري.
وأشار فؤاد إلى أن انخفاض قيمة السهم بهذه النسبة في أول يومين يضع العديد من علامات الاستفهام حول الخطوات السابقة للطرح، حيث بيّنت نشرة الطرح أن القيمة العادلة للسهم تقدر بـ6.67 جنيهات، وأن مضاعف الربحية بلغ 33.2 مرة في 30 يونيو/حزيران الماضي.
وطالب فؤاد بالبحث عن الأسباب الحقيقية وراء تراجع مؤشرات البورصة، في ظل تأخر الحكومة في تنفيذ الطروحات الحكومية، وبيان مدى تأثير انخفاض المؤشرات على تنفيذ الطروحات، على أن يتم فتح تحقيق حول الخطوات التي سبقت وواكبت طرح أسهم شركة راميدا، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الأمر.
كانت هيئة الرقابة المالية قد فتحت تحقيقًا بشأن عملية طرح شركة ثروة كابيتال في البورصة خلال العام الماضي بعد تراجع السهم في أول أيام تداوله وكشفت الحكومة المصرية في مارس/آذار 2018 عن الاتجاه لطرح حصص أقلية في 23 شركة بالبورصة في مدة ثلاثين شهرا، ضمن برنامج لجمع ثمانين مليار جنيه، إلا أن الحكومة لم تطرح سوى 4.5% من أسهم الشركة الشرقية للدخان قبل شهور وتراجع رأس المال السوقي للبورصة من نحو خمسين مليار دولار في 2017 إلى نحو 46 مليار دولار العام الماضي، ثم نقصت بحوالي ثلاثة مليارات دولار منذ بداية العام الجاري.
هناك مَثَل شعبي مصري اقتصادي يقول، “حُسن السوق ولا حُسن البضاعة” أي أن جودة السوق أهم من جودة البضاعة، وهو مثل يستدعيه الكاتب والمحلل الاقتصادي ممدوح الولي في حديثه للجزيرة نت للتدليل على أن السوق النشط يتيح بيع سلع أقل جودة، وهكذا فقد واكب طرح أسهم شركة راميدا للأدوية ضعف السيولة بالبورصة المصرية، فهبطت أسهمها.
ولفت الولي إلى عدم تحسن أحوال البورصة، رغم خفض سعر الفائدة والمفترض أن يكون في صالح الاستثمار بالأسهم، باعتباره بديلا أكثر عائدا مقارنة بالودائع المصرفية التي تراجعت عوائدها.
ومن بين أسباب الهبوط في اليوم الأول للتعامل على سهم راميدا، أنه تزامن مع يوم التعامل الأول على سهم أرامكو بالبورصة السعودية -حسب الولي- الذي اجتذب المستثمرين العرب من البورصة المصرية خلال فترة طرحه للبيع.
ويستدرك بالقول “لكن لم يكن سهم راميدا وحده الذي تعرض للانخفاض خلال هذين اليومين، فقد تراجعت أيضا خلالهما عدة أسهم رئيسية بالبورصة المصرية ولم ترَ إدارة البورصة شيئا مريبا وراء هذا الهبوط، إذ تحول سهم راميدا للارتفاع بالجلسة الثالثة لتداوله بنسبة 4%، مواكبا الاتجاه الصعودي للسوق خلال تلك الجلسة، بحسب الولي.
وأكد مصدر رفيع المستوى بسوق المال أن طرح شركة راميدا وتراجع سهمها في أول أيام تداوله، يختلف عن حالة ثروة كابيتال، ولا مجال لفتح تحقيقات في هذا الشأن.
وأوضح المصدر في تصريحات صحفية أنه بموجب قرار الرقابة المالية رقم 48 لعام 2019، الصادر في أبريل/نيسان الماضي، الخاص بتنظيم الطروحات، تم إنشاء خط ربط بين الهيئة ومدير طرح شركة راميدا، مكّن الأولى من متابعة كل أوامر الاكتتاب في الطرح الخاص، والتأكد من استيفاء العملاء للشروط.
ورأى الكاتب الصحفي المختص في شئون البورصة صلاح عبد الله، أن الطرح الأخير “عمّق” أزمات البورصة وتسبب في اتساع “فجوة الثقة” بالاستثمار المحلي غير المباشر، بل و”طرد مستثمرين”، ومؤسسات مالية جديدة كانت ترغب في الاستثمار المحلي.
وقال إن الإساءة للسوق المحلي ليس في طرح أسهم الشركة فقط، بل في الصدمة التي تلقاها مجتمع سوق المال، في أول لحظات للتداول والهبوط الحاد للسهم، ما أصاب السوق بالإحباط، في الوقت الذي لقن اكتتاب أرامكو السعودية درسا للمسؤولين ذوي العلاقة بمنظومة سوق المال المصري، في كيفية إدارة ونجاح الطروحات خاصة، بحسب عبد الله في مقاله المنشور بصحيفة الوفد.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية