تل أبيب تُقّر بأنّ قرار العاهِل الأردنيّ “مفاجأة من العيار الثقيل”

تحدّث الإعلام العبريّ عن قرار العاهل الأردنيّ، الملك عبد الله الثاني، القاضي بإنهاء الملحقين الخاصّين الاثنين بأراضي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام، بنوعٍ من المفاجأة في الأوساط السياسيّة الإسرائيليّة بالقرار الأردنيّ،  والذي لو كان قد أعلن عنه مُسبقًا تحت ضغط الشارع لتعرّضت المملكة ربمّا لضغوطٍ مُعاكسةٍ، لذا فالتريث الأردنيّ وعدم الإفصاح عن الموقف حتى الدقائق الأخيرة وإعلاء عنصر المباغتة كان في غاية الحكمة.

جديرٌ بالذكر في هذا السياق، أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو الذي فوجئ بالقرار، أعلن أنّه سيتّم التفاوض على إعادة استعمال الأراضي، مُذكّرًا بأنّ اتفاق السلام بين البلدين يُعدّ ذخرًا مهمًا وثمينًا للبلدين، غير أنّ الأردن يبدو واضحًا في رسالته التي سارعت الحكومة في اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في الملحقين، وفي هذا السياق نقل المُستشرِق الإسرائيليّ، إيهود يعاري، الذي يعمل مُحلّلاً لشؤون الشرق الأوسط في شركة الأخبار العبريّة، نقل عن مصادر سياسيّةٍ رفيعةٍ في تل أبيب قولها إنّ حكومة نتنياهو كانت على علمٍ مُسبقٍ بالقرار الأردنيّ، إلّا أنّها لم تفعل شيئًا من أجل ثني العاهل الأردنيّ عن القرار، بحسب المصادر.

وزعم يعاري، المُقرّب جدًا من دوائر صنع القرار في المؤسسة الأمنيّة بتل أبيب، زعم أنّ القرار يفتح الطريق أمام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران للتأثير على مجريات الأمور في المملكة عن طريق حركة (الإخوان المُسلمين)، مُتجاهلاً أنّ هناك تباينًا كبيرًا بين الحركة وبين طهران، وأضاف أنّ إيران باتت تُطوّق الأردن من جهتين: الحدود مع سوريّة، والحدود مع العراق، حيث تُرابِط ميليشياتٍ شيعيّةٍ تابعةٍ لإيران في المنطقتين المذكورتين، على حدّ تعبيره.

إلى ذلك، رأت مُحلّلة شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، سمدار بيري، أنّ قرار العاهِل الأردنيّ، الملك عبد الله الثاني، نابعٌ بشكلٍ رئيسيٍّ من عدم وجود “حرارة” في العلاقات الشخصيّة بين الملك عبد الله ورئيس الوزراء نتنياهو، لافتةً في الوقت ذاته إلى أنّ نتنياهو لا يأخذ الملك الأردنيّ بجديّةٍ، ويعتبره غير مؤثرٍ، ولا يقدر على القيام بأيّ شيءٍ، لأنّه، هكذا نتنياهو بحسب المُحلّلة الإسرائيليّة، يؤمن بأنّ الملك “في الجيب”، وبالتالي لا يُقيم معه علاقة، وهذا التصرّف والتعامل من قبل نتنياهو حيّال العاهل الأردنيّ، تابعت بيري، أدّى إلى تنامي الشعور بالغضب والإهانة لدى الملك عبد الله، الأمر الذي دفعه لاتخاذ القرار الذي فاجأ المُستوى السياسيّ في تل أبيب، على حدّ قولها، مُشدّدّةً على أنّ نتنياهو لم يكُن يتوقّع أنْ يتلقّى صفعةً مُجلجلةً بهذا الحجم من الـ”صديق” الأردنيّ، مُضيفة بعدم وجود “كيمياء” بين الزعيمين الأردنيّ والإسرائيليّ، ولو كان رابين ما زال في الحكم لكانت الأمور سارت على أحسن ما يُرام، بحسب تعبيرها.

وشدّدّت المُحلّلة الإسرائيليّة على أنّ القرار الأردنيّ لا يجب أنْ يكون بمثابة مفاجأة لصنّاع القرار في تل أبيب، مُشيرةً في الوقت عينه إلى أنّه في شهر آذار (مارس) الماضي قال مَنْ أسمته بـ”مهندس اتفاق السلام الأردنيّ-الإسرائيليّ”، رئيس الوزراء الأردنيّ الأسبق، عبد السلام المجالي، قال إنّه توجد مشكلة بالنسبة للمنطقتين المذكورتين، إلّا أنّ تل أبيب لم تهتّم بهذا التصريح، الذي برأيها كان وما زال يعني الكثير، واتهمّت أيضًا وزير الخارجيّة الأردنيّ، أيمن الصفدي، المُقرّب جدًا من العاهل الأردنيّ بأنّه كان من وراء القرار المذكور، مُوضحةً أنّ الرجل لا يُحّب إسرائيل بتاتًا، ولا يُخفي هذا الأمر بالمرّة، على حدّ قولها.

وأشارت المُحلّلة الإسرائيليّة أيضًا إلى أنّ غضب الملك نبع أيضًا من تقليل التأثير الذي كان له على الأماكن المُقدّسة في القدس المُحتلّة، وقيام نتنياهو بالسماح لليهود باقتحام الأقصى في الفترة الأخيرة عدّة مرّات، لافتةً إلى أنّه على الرغم من برودة العلاقات بين الملك عبد الله ورئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس، فإنّهما في هذه القضية على اتفاقٍ بضرورة استمرار الأردن في رعاية الأماكن المُقدّسة في القدس، بحسب قولها.

إلى ذلك، قال عيران عتصيون، النائب السابِق لرئيس مجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ، إنّه كان يتحتّم على الحكومة الإسرائيليّة أنْ تتوقّع قيام الملك الأردنيّ بهذه الخطوة، وأنْ تبذل جهودًا من أجل منعها، وأضاف أنّ المشكلة تكمن في أنّ نتنياهو يصنع من نفسه حكيمًا وصائبًا بعد وقوع الحدث، لافتًا إلى أنّ الأردن يُعاني من مشاكل عديدةٍ وهو بحاجةٍ ماسّةٍ إلى المُساعدة الإسرائيليّة المفقودة، والتي تقتصر اليوم فقط على التنسيق الأمنيّ-العسكريّ بين الدولتين، كما قال.

وشدّدّ عتصيون على أنّ الغضب الأردنيّ نتج عن تأكل الدور الأردنيّ في المنطقة بسبب التحولّات الإقليميّة بالشرق الأوسط، لافتًا إلى أنّ هذا النهج تأجج منذ اعتلاء الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب سُدّة الحكم، كما أوضح أنّ المملكة تتخوّف وتتوجّس كثيرًا من خطّة السلام الأمريكيّة المعروفة إعلاميًا بـ”صفقة القرن”، مُشدّدًا على أنّ الأردن لم يتحرّر حتى اللحظة من السيناريو الأسوأ وهو أنّ “الأردن هي فلسطين، وفلسطين هي الأردن”، ومؤكّدًا على أنّ الملك عبد الله لم يتلقَ تعهدّاتٍ من واشنطن وتل أبيب بأنّ ذلك لن يحدث، وهو الأمر الذي زاد القضيّة تعقيدًا، بحسب تعبيره.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى