تمثال من الثلج

يبدو كما قالت الأرصاد الجوية أن شتاء هذا العام سيكون قارس البرد مثلجاً وغزيرالأمطار.  ليكن ما سيكون فها أنذا بإنتظار هطول الثلج وأنا أتذكر فصلاً ثلجياً كنا فيه نسكن في سفح قاسيون في حي المهاجرين هطل فيه الثلج بغزارة كافية للهو بكرات الثلج أو صنع تمثال من ندف الثلج المتراكم ،هذا ما خطر لي على الفورفي  ذلك الشتاء السخي بثلوجه ، كنت على ما أذكر في الرابعة أو الخامسة عشر من عمري ، و قد مارست قبل ذلك هواية صنع تماثيل صغيرة من الثلج كانت مسلية بمنظرها ، غير أن كثافة الثلج في ذلك العام شجعتني على أن أصنع تمثالا لشخص بحجم الإنسان العادي يلبس معطفا و يضع قبعة شتوية على رأسه و يمسك بين شفتيه قطعة خشب صغيرة تشبه السيجار، و فعلا أنهيت عملي بعد لأيٍ متعب وأضفت قبعة من الصوف الأحمر على رأس التمثال.

 كان العمل كما أذكر ناجحاً لدرجة أن الأولاد الذين كانوا يلعبون بالثلج قد تركوا لعبهم و تجمعوا حولي مبهورين بما أصنع بل لقد تطوع عدد منهم لحراسة التمثال حتى ما بعد الظهر حين ظهر رجل ضخم الجثة يقترب من التمثال ويضرب فمه ويوقع السيجارة ويشوه الشفتين و حين حاول الأولاد أن يحتجوا عليه بالكلام وجدوه يتابع تخريب التمثال كما قيل لي فيما بعد ، و كنت عدت إلى دارنا مطمئنا على التمثال المحروس جيدا … و حين أخبروني بما حدث خرجت و كان الشخص الجاني قد مضى بعد أن حطم رأس التمثال و قطع يديه . كان أسفي شديدا حيال ما تبقى من العمل الفني الذي تعبت عليه كثيراً فسارعت إلى إصلاح الأطراف وصنع رأس جديد له ، و لم أتركه حتى المساء حين عدنا إلى بيوتنا.

و في الصباح الباكر خرجت للإطمئنان على ما صنعت فإذا بي أجده ركاما من الثلج وهكذا شرعت أعيد عملي بأسلوب آخر ولكن الرجل المخرب لم يلبث أن ظهر فأزاحني جانبا و هو يقول مهددا :

– ممنوع وحرام صنع الأصنام في حارتنا ..إذهبوا إلى حي النصارى إذا أردتم أن ترتكبوا الحرام وليس هنا…

كان الرجل يحمل معولا هوى به على عنق التمثال فقطعه ثم على كتفيه و معطفه و لم يبق منه إلا ركاما لا شكل له …

لم أستطع أن أواجه الرجل سوى بالكلام لكنه أخرسني بإحتجاجه ضد الأصنام ، فأخرسنا جميعا ، ثم مضى معتزا بعمله ، فخورا بمعوله و هو يهزه بيده…

لم أصنع شيئا بعد ذلك حين فهمنا جميعا أن عملنا معيب و أن الرجل سيعود بمعوله الحديدي إذا عدنا إلى صنع تمثال آخر، وهكذا عدنا خائبين إلى بيوتنا وقد خيم علينا نوع من الحزن المشوب بالخوف .

يالها من ذكرى تعاودني كلما هطل الثلج في حارتنا و قد صار ممكنا صنع التماثيل الثلجية ، و لكن من دون أن نجرؤ أمداً طويلاً على ذلك خوفاً من أن نتهم بالكفر، وعبادة الأصنام….!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى